لبنان بين الخوف من الحرب الأهلية… والخوف من الزوال: من يربح المعركة الأخيرة؟
بقلم رئسة التحرير ليندا المصري

عندما أعلنت إسرائيل استهدافها منشآت يُشتبه بأنها مخصصة لتصنيع طائرات مسيّرة تابعة لحزب الله في قلب الضاحية الجنوبية، لم يكن الأمر مجرّد اشتباك عابر. كان إعلانًا مدويًا أن لبنان بات أرضًا مستباحة، لا بجغرافيته فقط، بل بسيادته وقراره الوطني.
في كل جولة تصعيد، يتكرر السؤال:
إلى متى يبقى السلاح خارج سلطة الدولة؟
وهل تملك الدولة الجرأة لتقول كفى، وتُعيد رسم حدود الشرعية بيدها لا بيد الغير؟
قول الحقيقة موجع، لكنه واجب:
تحميل الدولة كامل المسؤولية ليس إنصافًا.
فالجيش اللبناني، رغم العجز المالي والسياسي، أطلق خلال الأشهر الماضية عمليات دقيقة، صادَر خلالها أكثر من ٥٠٠ موقع تابع للمنظومة المسلحة غير الشرعية.
إنه جهد لا يمكن تجاهله. لكنه ليس كافيًا.
القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن لم يكن مجرد حبرٍ على ورق. نصّ بوضوح على نزع سلاح كل القوى غير النظامية جنوب الليطاني.
لكن ما حصل فعليًا هو العكس تمامًا:
فبدلاً من التطبيق، اعتبره الحزب "استراحة محارب"، استُغلت لتوسيع الترسانة، ولبناء شبكة أمنية واقتصادية توازي الدولة – بل وتتجاوزها.
وما كان يُعد سابقًا "خطًا أحمر"، أصبح اليوم بندًا علنيًا في خطاب الدولة.
رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وضعا نزع السلاح خارج الشرعية كأولوية وطنية لا تقبل المساومة، وأعلنا أن لا قيام لدولة في ظل ازدواج القرار.
لكن حتى هذه اللحظة، لا تزال "نظرية الفتنة" تُستخدم كعصا تخويف لمنع أي حسم. يُقال: لا تمسّوا بالسلاح، كي لا تنفجر البلاد.
ولكن، مَن قال إن البلاد لم تنفجر أصلًا؟
مَن قال إن لبنان لم يدخل فعلًا في مرحلة موت بطيء، أخطر من الحرب نفسها؟
أذِن للاعتداءات المتكررة على السيادة،
استخدم في صراعات داخلية،
وفوق كل ذلك، كان عاملاً حاسمًا في انهيار الاقتصاد، وهروب الاستثمارات، وانهيار الثقة العالمية بلبنان.
لا أحد يجرؤ على فتح مصنع أو بنك أو شركة عالمية في بلد القرار فيه موزّع بين دولتين… بين علمين… بين حسابين مصرفيين.
سوريا خرجت من المحور… فبدأت تتنفس
انظروا إلى الجوار. سوريا، رغم الجراح، بدأت تعود تدريجيًا إلى الحاضنة الاقتصادية العربية، بعدما بدأت تنأى عن الميليشيات وتعود إلى الدولة المركزية.
أما نحن، فلا نزال نطلب المساعدة من الخليج، ثم نستقبل في مطاراتنا طائرات الشحن القادمة من طهران!
نوقّع على الورق اتفاقيات حياد، ثم نُصدّر الصواريخ من مرافئنا!
هذا الانفصام لم يعد مقبولًا.
لم يعد ممكنًا أن نعيش بسلاحين… ولا أن ننهض بهويتين… ولا أن نُحكم بقرارين.
الحسم ليس حربًا… بل ولادة وطن
دعونا نكون واضحين:
الحسم لا يعني القتال. الحسم لا يعني الدم.
بل يعني أن تعود الدولة دولة.
أن يُقال للسلاح غير الشرعي: شكرًا، انتهى دورك، انتهى زمن "المساكنة".
من لا يُريد الحسم، يختار الزوال.
ومن يخاف الحرب، يصنع الموت البطيء.
الخوف ليس خطة دولة… هو خطة انتحار.
اليوم، نحن أمام فرصة نادرة.
فرصة أن نقول:
لبنان ليس جبهة، بل وطن.
ليس محطة في صراع إقليمي، بل كيان ذو سيادة.
ولن نسمح بعد اليوم أن يُكتب مستقبلنا في طهران أو تل أبيب… بل في بيروت، فقط بيروت.
إذا لم تحسموا أنتم… فسيُحسم مصيركم من دونكم.
إن مستقبل أطفالكم لا يُبنى في ظل بنادق خارجة عن الدستور.
وحان الوقت لتقولوا بصوت واحد:
نريد وطنًا واحدًا… تحت علم واحد… وسلاح واحد.
فانا حليفة لفكرة واحدة فقط: فكرة الدولة.