لماذا تفتح الرياض أبوابها سرّاً للمقاومة وتترك حلفاء السيادة في العراء؟

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

لماذا تفتح الرياض أبوابها سرّاً للمقاومة وتترك حلفاء السيادة في العراء؟

في لحظة إقليمية مشبعة بالتحولات الكبرى، وفي زمن تُعاد فيه صياغة التحالفات لا على قاعدة المبادئ بل على منطق إدارة المخاطر، يبرز سؤال لبناني–عربي ثقيل لم تعد النخب قادرة على تجاهله: لماذا تغيّر سلوك الرياض تجاه لبنان؟ ولماذا تُدار قنوات خلفية مع قوى كانت تُصنَّف حتى الأمس القريب في خانة الخصوم، فيما تُترك القوى السيادية التي واجهت المشروع الإيراني وحيدة، بلا غطاء ولا حماية ولا حتى تفسير سياسي؟

السؤال ليس عاطفياً ولا إنشائياً، بل استراتيجي بامتياز.

لبنان لم يكن يوماً تفصيلاً في الأمن القومي العربي. وعلى مدى سنوات، شكّل خط تماس مباشر مع التمدد الإيراني، وكانت قوى وشخصيات سياسية سيادية في قلب المواجهة، دفعت أثماناً باهظة: سياسياً، أمنياً، وشخصياً. شخصيات لم تختبئ، ولم تساوم، ولم تغيّر خطابها تحت الضغط، بل واجهت علناً، في الشارع وفي البرلمان وفي الإعلام.

ومع ذلك، تُطرح اليوم علامات استفهام صادمة:

لماذا لم يُحمَ هؤلاء؟

لماذا تُرك بعضهم يواجه مصيره السياسي والأمني منفرداً؟

ولماذا لم تتدخل الرياض حين باتت حياة شخصيات سيادية معروفة في دائرة الخطر؟

الأسماء معروفة، ولا تحتاج إلى تلميح: من قيادات أمنية وسياسية، إلى نواب ووزراء سابقين، إلى رموز شكّلت العمود الفقري لخطاب الاستقلال والسيادة بعد عام 2005. شخصيات دفعت من رصيدها السياسي، ومن أمنها الشخصي، ومن مستقبلها العام، ثم وُضعت فجأة خارج الحسابات.

هنا لا بد من قول الحقيقة بوضوح مؤلم: التحوّل السعودي تجاه لبنان لا يُقرأ من زاوية لبنان، بل من زاوية إعادة تموضع إقليمي أوسع.

الرياض اليوم ليست في موقع المواجهة المفتوحة، بل في موقع إدارة الصراع، خفض الاشتباك، وشراء الوقت. في هذا السياق، لم يعد لبنان ساحة أولوية، ولم تعد القوى السيادية أوراق ضغط فعّالة في ميزان التفاوض الإقليمي. هكذا، وببرود استراتيجي، جرى الانتقال من دعم المواجهة إلى سياسة “النأي عن الخسائر”.

لكن الأخطر من التحوّل نفسه، هو غياب الشفافية.

لم تُصارَح هذه القوى. لم يُشرح لها المسار. لم يُقدَّم لها بديل سياسي أو أمني. تُركت لتواجه جمهورها، وتاريخها، وخصومها، بلا مظلة.

وهنا مكمن الخلل الأخلاقي والسياسي معاً.

فالدول الكبرى قد تغيّر سياساتها، هذا مفهوم في علم الاستراتيجيا. لكن التخلّي الصامت عن حلفاء قاتلوا سياسياً نيابة عن مشروع عربي، من دون اعتراف أو حماية أو حتى كلمة، هو ما يهز الثقة، لا في قرار الرياض فحسب، بل في فكرة التحالف نفسها.

الأخطر أن هذا السلوك يبعث برسالة قاتلة إلى المنطقة:

من يواجه إيران علناً قد يُترك وحيداً عند أول منعطف.

وهذه رسالة لا تخدم الاستقرار العربي، ولا تشجّع أي نخبة سياسية مستقبلية على خوض معركة سيادة حقيقية.

لبنان اليوم ليس بحاجة إلى بيانات دعم عامة، بل إلى وضوح:

هل تغيّر الرهان؟

هل أُسقط خيار المواجهة؟

هل باتت السيادة عبئاً تفاوضياً؟

الصمت لم يعد خياراً. والأسئلة التي لم تُجب عليها الرياض، تتحول مع الوقت إلى فجوة ثقة يصعب ردمها.

التاريخ لا ينسى من واجه، ولا من صمت، ولا من تخلّى.

وإن كانت المرحلة تفرض براغماتية قاسية، فإن الحد الأدنى من الأخلاق السياسية يفرض المصارحة، لا الإهمال.