لا تزنّ على الجبان… السيادة لا تُنتزع بالاستعجال

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبدالحميد عجم

لا تزنّ على الجبان… السيادة لا تُنتزع بالاستعجال

في لبنان، لا تزال كلمة «السيادة» شعارًا يتردّد أكثر مما هو مشروع متكامل. القوى التي رفعت لواءها في السنوات الأخيرة لم تقدّم سوى خطابات مرتفعة وسجالات انتخابية، بينما تُركت الدولة والجيش في مواجهة مفتوحة مع واقع أمني وسياسي بالغ التعقيد.

السيادة لا تُبنى بالتصريحات. السيادة تحتاج مشروعًا عقلانيًا، خطة قابلة للتنفيذ، وحوارًا وطنيًا يضع مصلحة الدولة فوق كل الاصطفافات. الاستعجال في رفع شعار «نزع سلاح حزب الله» بلا ضمانات ولا أدوات عملية لا يقوّي الدولة بل يضعفها، بل يُدخل لبنان في دائرة مغامرات غير محسوبة.


السلاح عند حزب الله ليس مجرد ترسانة عسكرية بل عنصر مشروعية داخلية لدى جمهوره. محاولة نزع هذا السلاح عبر القوة أو الإملاءات الدولية تعني صدامًا مباشرًا لا تملك الدولة مقوّماته. التجارب العالمية   من أيرلندا الشمالية إلى كولومبيا   أثبتت أن الحلول الناجحة جاءت عبر مسارات طويلة من الحوار، خطوات بناء ثقة، وإشراف دولي، لا عبر وصفات فورية أو ضغوط خارجية.

هذا لا يعني الاستسلام، بل العكس. إذا كان الهدف قيام دولة واحدة وجيش واحد، فلا بد من خطة واقعية تدريجية، تدمج بين تعزيز الجيش، وإصلاح المؤسسات، وإدماج تدريجي للعناصر المسلحة في المجتمع. أما اختصار الطريق بشعارات انتخابية أو وعود أميركية، فهو وصفة مؤكدة لفشل جديد.

في هذا السياق، جاءت تصريحات المبعوث الأميركي توم براك لتكشف المستور. حين قال: «إذا أراد اللبنانيون دولة واحدة فعليهم نزع سلاح حزب الله»، حمّل اللبنانيين وحدهم مسؤولية معركة شبه مستحيلة. الأخطر أنه أضاف:  الولايات المتحدة ليست ضامناً في اتفاق وقف إطلاق النار

بكلمات أخرى، واشنطن تريد من لبنان أن يخوض المعركة وحيدًا، بينما هي ترفع يدها عن أي التزام مباشر. اتفاق وقف النار نفسه هشّ، كل طرف يفسّره لمصلحته، والولايات المتحدة تقول علنًا إنها لن تتحمّل كلفة ضمانه. هنا يظهر جوهر المعضلة: القوى «السيادية» استعجلت الارتهان لوصفات أميركية لم تُقدَّم معها أي ضمانات حقيقية، فدفعت لبنان نحو فخّ أكبر بدل أن تحمي الدولة.


حتى لا تبقى المعركة دائرة في الفراغ، هناك مسار ممكن:

 خطة خطوات ثقة: تجميد انتشار الأسلحة الثقيلة في مناطق محددة مقابل ضمانات أمنية.

. آلية تحقق دولية: إشراف أممي أو محايد لمراقبة أي تقدم.


دعم الجيش: تحديث وتوسيع قدراته ليغطي أي فراغ أمني.


إدماج اقتصادي   اجتماعي: مشاريع تنموية تستوعب عناصر مسلحة وتمنع إعادة إنتاج الميليشيا.


جدول زمني واضح: مراحل متدرجة، قابلة للقياس، مع حوافز سياسية واقتصادية لكل خطوة.

هذه ليست وصفة مثالية، لكنها الطريق الوحيد لتفكيك السلاح دون انهيار الدولة.


قال المثل: «لا تزنّ على الجبان بتعلّمه مرجلة». الحكمة الشعبية هنا تنطبق على واقعنا السياسي: السيادة لا تُنتزع بالصراخ ولا بالاستعجال، بل بالقدرة على قراءة الواقع وإدارة الصراع بعقلانية.

اليوم أمام لبنان خياران: إما أن يسقط ضحية الشعارات التي لا تملك رصيدًا عمليًا، وإما أن يختار مسارًا وطنيًا ذكيًا يعيد القرار إلى الدولة والجيش. مواجهة مشروع السلاح الإيراني لن تُحسم بالمزايدات، بل بخطة جامعة وشجاعة تضع لبنان فوق كل الاصطفافات.

السيادة التي تُستخدم سلّمًا لمكاسب آنية ثم تُركل حين يشتعل البلد، أخطر على لبنان من السلاح نفسه.