القوة التي لا تُرى: كيف تحوّلت «بدر» إلى مركز إعادة بناء حزب الله؟
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
في اللحظة التي ظنّ فيها كثيرون أن الحرب التي اندلعت منذ عام 2023 قد شلّت «حزب الله» ودفعت به نحو مرحلة انكفاء وجودي، تكشف الوقائع الميدانية أن الحزب لم ينهَر بل أعاد تشكيل نفسه من جديد في عملية جراحية دقيقة تشبه إعادة زرع قلب كامل داخل جسدٍ منهك، وفي مركز هذه العملية برزت «قوّة بدر» كتعبير صريح عن عودة الحزب إلى بناء قوته من الأسفل إلى الأعلى. فبين شبكات التمويل التي بقيت تنبض رغم العقوبات، والورش السرّية الممتدة من الضاحية إلى البقاع، والتهريب المحترف عبر سوريا والبحر، يعمل الحزب على إعادة إنتاج ترسانة جديدة أصغر حجماً وأكثر دقة، مصممة خصيصاً لمبدأ «التهديد الدائم» لا «الانفجار الكبير». قوّة بدر ليست وحدة إضافية، بل هي نقطة ارتكاز تعكس كيف استطاع الحزب بعد خسائر غير مسبوقة في قياداته وبناه أن يحوّل الهزيمة الظاهرية إلى تمرين تكيفي خطير: مقاتلون نخبويو التدريب، خلايا موزعة، مسيّرات خفيفة، صواريخ قصيرة المدى مجمّعة في ورش متفرقة، وتموضع شمال الليطاني بعيداً عن أنظار الاستهداف السريع. هذه القوة هي جوهر التحول: قدرة على إزعاج إسرائيل من دون تقديم ذريعة لحرب كبرى، وقدرة على إعادة الإمساك بالميدان في جنوب لبناني يعيش انهيار الدولة وغياب أي سلطة قادرة على فرض السيادة. الحرب الجوية الإسرائيلية لم تُنهِ المسار، بل أعادت الحزب إلى نسخته الأكثر مرونة، فيما تستفيد طهران من خط إمداد متجدد لا تنقطع خطوطه البرية والبحرية رغم كل الضربات. الأخطر في المشهد ليس تصنيع السلاح نفسه، بل الفراغ الذي يعمل بداخله: دولة عاجزة، مجتمع يعتمد على خدمات الحزب، وجيش لا يستطيع تطبيق السيادة على أرض يعرف أنها خارج قدرته العملياتية. ومع استمرار الاشتباك المتدرّج الذي لا هو حرب ولا هدنة، تصبح «قوّة بدر» قلب المعادلة الجديدة: قوّة تُبقي إسرائيل في حالة استنفار، وتُبقي الداخل اللبناني في حالة صدمة صامتة، وتعيد تثبيت حزب الله كلاعب لا يمكن تجاوزه مهما حاول الداخل أو الخارج تجاهل حجمه وتأثيره. ما يحدث الآن ليس مجرد إعادة بناء لقدرة عسكرية، بل إعادة هندسة لموازين القوة في لبنان والمنطقة، وصعود واقع سيعيه الجميع متأخراً: الجنوب يتغيّر… والجهة التي تعيد تشكيله ليست الدولة، بل قوة صارت أعمق وأخطر وأذكى ممّا كانت عليه قبل الحرب.