الانتخابات البرلمانية في لبنان 2026: الاستحقاق الذي لا يُسمح بتطييره
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في أيار 2026، يقف لبنان أمام موعد مصيري لا يحتمل العبث ولا المساومة: الانتخابات البرلمانية. الاستحقاق الذي يُفترض أن يُعيد إنتاج السلطة عبر صندوق الاقتراع، تحيط به اليوم غيوم مناورات سياسية ومخاوف من تأجيلٍ يطيح بما تبقّى من ثقة اللبنانيين والعالم بهذا النظام.
التأجيل لم يعد احتمالًا تقنيًا، بل صار سيفًا مُسلَّطًا على مستقبل بلدٍ يعيش أسوأ أزماته الاقتصادية والمالية والسياسية. لذلك، تقع المسؤولية المباشرة على عاتق الحكومة ورئيس الجمهورية المقبل، في منع أي محاولة لتعطيل هذا الاستحقاق أو تحويله إلى ورقة ابتزاز سياسي.
لبنان الذي غرق في الانهيار المالي منذ 2019، لم يتعافَ لا بالإصلاحات ولا بالوعود. ما بقي من شرعية الدولة يرتكز على إجراء انتخابات دورية تُعيد إنتاج السلطة وفق قواعد ديمقراطية، مهما كانت هشّة. أيّ تأجيل أو تعطيل لهذا الاستحقاق يعني ببساطة إعلان وفاة العملية السياسية، وتكريس واقع الدولة الفاشلة.
الانتخابات ليست تفصيلًا. هي الاختبار الأخير أمام المجتمع الدولي الذي يراقب لبنان بعين الشك، وأمام الجاليات اللبنانية المنتشرة في العالم التي تطالب بحقها في التصويت وتعتبر أن مشاركتها ضمانة لمحاسبة المنظومة.
الحديث عن "ثغرات قانونية" أو "عجز لوجستي" في تنظيم الاقتراع، لم يعد يقنع أحدًا. هذه الذرائع تُستخدم كواجهة لتأجيل متعمّد. في بلدٍ اعتاد تعطيل الحكومات والرئاسات والمؤسسات، يبدو أن الانتخابات البرلمانية دخلت بدورها في لعبة الوقت القاتل.
لكن الفارق هذه المرة أن التأجيل يعني انفجارًا سياسيًا واجتماعيًا لا قدرة للبنان على تحمّله. شارعٌ غاضب بلا منفذ ديمقراطي، ومجتمع دولي فقد الثقة بالكامل، يعني عزلة مطلقة وانزلاقًا نحو فوضى مفتوحة.
المسؤولية هنا ليست نظرية. الحكومة ورئيس الجمهورية مسؤولان عن حماية الموعد الدستوري كخط أحمر. المطلوب:
إعلان رسمي واضح لا لبس فيه يضمن الالتزام بإجراء الانتخابات في أيار 2026.
خطّة تنفيذية عاجلة تعالج الثغرات اللوجستية، من التسجيل إلى آلية اقتراع المغتربين.
رفض أي مقايضة سياسية تربط بين تعديل القانون وتأجيل الانتخابات.
إجراء الانتخابات في موعدها ليس فقط استحقاقًا لبنانيًا داخليًا، بل رسالة إلى العالم العربي والدولي بأن هذا البلد، رغم أزماته، لا يزال متمسّكًا بخيار الديمقراطية كطريق وحيد للشرعية.
لبنان الذي شكّل يومًا واجهة الحرية في الشرق الأوسط، لن يقبل أن يصبح ساحة خالية من الصندوق الانتخابي. وإذا كانت المنظومة تراهن على تعب اللبنانيين أو لامبالاتهم، فإن المغتربين والمجتمع المدني والقوى التغييرية مدعوون إلى رفع الصوت عاليًا: لا انتخابات مؤجلة بعد اليوم.
قد تكون الانتخابات في أيار 2026 الفرصة الأخيرة لوقف الانهيار وإعادة فتح نافذة أمل، ولو ضيقة. أما تأجيلها فهو جريمة سياسية مكتملة الأركان، لن يغفرها لا التاريخ ولا الشارع ولا العالم.
المطلوب واضح وبسيط: حكومة مسؤولة، ورئيس جمهورية ضامن، وانتخابات في موعدها. ما عدا ذلك، سقوط حرّ بلا مظلة.