سلام وعون يوقّعان استقلال لبنان الثاني... الدولة تُولد من جديد

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

سلام وعون يوقّعان استقلال لبنان الثاني... الدولة تُولد من جديد

في لحظة كانت الدولة اللبنانية فيها على شفير الانهيار الكامل، وُلد قرار. قرار ليس عادياً ولا إدارياً ولا تقنياً. بل لحظة تأسيس. قرار قال للعالم: لبنان قرر أن يُحكم من بيروت، لا من الضاحية، ولا من السفارات.

 

الرئيس جوزيف عون، العسكري الصامت، والآن الرئيس المدني بامتياز، وقف في وجه الفراغ وقال: "أنا الدولة".

نواف سلام، الوجه الذي طالما ربطه البعض بالخارج، أثبت أنه الأقدر على إعادة الداخل إلى مكانه الطبيعي: قلب القرار.

 

معاً، فعلا ما لم يجرؤ عليه أحد منذ اتفاق الطائف: استعادة المبادرة.

 

دولة للجميع... لا لواحد

 

القرار الأخير لمجلس الوزراء — بما حمله من إعادة تنظيم أدوار المؤسسات، وبحث مستقبل سلاح المقاومة، وملف الأمن الوطني — لم يكن استفزازًا لأحد، بل إعادة التوازن.

لم يُكتب ضد الشيعة، ولا ضد المقاومة، ولا ضد أي طائفة. بل كُتب باسم الدولة، ولكل من فقد الثقة بأنها ما زالت موجودة.

 

إنها دعوة واضحة: كفى وصاية داخلية، كفى محاور. حان وقت الدولة.

 

تحية للطائفة الشيعية... من قلب الدولة

 

إلى الطائفة الشيعية الكريمة،

أنتم من قدّم الشهداء، ومن صمد، ومن تحمّل الاحتلال والحروب والعقوبات.

لكن من حقكم اليوم أن تسألوا: إلى أين؟ ولماذا؟ ومن استفاد؟

 

لم يكن نزع السلاح إهانة. بل بداية حوار وطني حول شكل الحماية، لا وظيفتها.

لا أحد يريد للجنوب أن يُعرّى. لكن لا يجوز أن يبقى كل لبنان في وضع أمني وسياسي معلق باسم حماية الجنوب وحده.

 

نواف سلام لا يشطب تضحيات الشيعة. بل يحفظها من أن تُستنزف أكثر.

وجوزيف عون لا يستهدف حزبًا. بل يعيد للمؤسسة العسكرية دورها: الحامي لكل لبنان، لا شريك في الصراع.

 

الرأي العام العربي... هذه ليست حربًا على المقاومة

 

ما يفعله لبنان اليوم ليس رضوخًا لمحور ولا تنفيذًا لطلب سفارة. ما يجري هو محاولة شجاعة لتثبيت الدولة بعد أن فشلت كل "الأنظمة الرديفة" في الحفاظ عليها.

 

هذا ليس عداءً للمقاومة، بل إنهاء لوضع شاذ يجعل المقاومة بديلًا عن الدولة.

 

رسالة إلى الداخل والخارج

 

من يراهن على إسقاط نواف سلام، لن يجد بديلًا شرعيًا.

ومن يعتقد أن جوزيف عون مجرّد مرحلة انتقالية، لم يفهم أن الرجل أعاد تعريف الرئاسة بهدوء ومسؤولية.

 

ومن يظن أن الطائفة الشيعية ستُستفز، فهو لا يعرف عمق وعيها السياسي، ولا تعبها من استنزاف امتد لعقود باسم الحماية والكرامة.

 

ومن يراهن على الشارع، عليه أن يفهم أن الناس يريدون دولة. لا بندقية. لا زعيم. لا وصاية.

 

لحظة نادرة في تاريخ لبنان

 

ربما للمرة الأولى منذ الاستقلال، نعيش لحظة قرار لبناني صرف.

لا بتفاهمات سرّية. لا ببيانات مراوغة. بل بموقف واضح: الدولة تعود، والدولة تحكم.

 

نواف سلام وجوزيف عون لن يُجمع عليهما الجميع. لكن التاريخ لا ينتظر الإجماع.

التاريخ يكتب أسماء الذين غامروا من أجل بقاء الوطن، لا أولئك الذين انتظروا التعليمات.

 

اليوم، لبنان أمام فرصة. فإما أن نلتقطها ونعيد بناء ما تهدّم،

أو نضيّعها، ونبقى أسرى للسلاح والفراغ والفوضى.