فضيحة الأمير الوهمي: السياسة اللبنانية بين الطمع وانعدام السيادة

بقلم هئية التحرير خاص مراسل نيوز

فضيحة الأمير الوهمي: السياسة اللبنانية بين الطمع وانعدام السيادة

كيف حوّل “أصحاب المصلحة” لبنان إلى ساحة مفتوحة للوهم السياسي

في الدول التي تحترم نفسها، يُعتبر العمل السياسي خارج الأطر الرسمية جريمة سيادية.

أما في لبنان، فيبدو أن هذه القاعدة تُطبّق بالانتقاء: تُستخدم كسلاح اتهام ضد خصوم بعينهم، وتُدفن حين تطال “أصحاب المصلحة”.

لسنوات، وُجّه الاتهام نفسه بلا كلل:

“حزب الله أداة لإيران، يعمل خارج الدولة، ويتلقى توجيهاته من الخارج”.

اتهام كبير، بصرف النظر عن الموقف منه، لكنه يطرح اليوم سؤالًا لا مفرّ منه:

ماذا نسمّي شبكة سياسية مالية اتصالية، تعمل خارج الدولة،

تتجاوز السفارات،

تختلق قنوات نفوذ،

وتؤثّر – أو تحاول – في قرارات دستورية؟

أليس هذا هو التعريف الحرفي للعمل خارج الدولة؟

فضيحة “الأمير الوهمي” لم تكشف محتالًا فقط، بل كشفت ازدواجية أخلاقية وقانونية فاضحة. فالمشكلة لم تكن في وجود شخص ادّعى صفة لا يملكها، بل في أن نخبًا سياسية واقتصادية تعاملت مع الادعاء كمسار شرعي طالما أنه يفتح أبوابًا ويعد بمكاسب.

هؤلاء لم يُخدعوا لأنهم سُذّج.

بل لأنهم أرادوا أن يُخدعوا.

الطمع، هنا، لم يكن انحرافًا فرديًا، بل نظام تشغيل.

نظام يسمح بخلق قنوات موازية للدولة، وبتمرير الوعود، وبقبول الأموال، وبالتأثير على القرار، من دون أي مساءلة، طالما أن الاتجاه “مناسب”.

وهنا تقع الجريمة السياسية الحقيقية.

فالسيادة التي يُتغنّى بها في الإعلام ليست مبدأً، بل أداة انتقائية.

تُرفع حين يكون الخارج غير مرغوب فيه،

وتُطوى حين يكون الخارج – أو الوهم عنه – وسيلة للصعود أو البقاء.

الأخطر أن هذه الممارسات لا تُقدَّم كخرق، بل كـ “دهاء سياسي”،

ولا تُحاسَب كجريمة، بل تُبرَّر كـ “سوء تقدير”.

لكن في أي قاموس سياسي محترم:

تجاوز القنوات الدبلوماسية = عمل خارج الدولة

التأثير غير المعلن على النواب = مسّ بالعملية الدستورية

تلقي أموال مقابل وعود نفوذ = فساد سياسي منظّم

فلماذا يُجرَّم هذا الفعل عند طرف، ويُسامَح عند آخر؟

الجواب واحد:

لأن من يرفعون شعار الدولة، لا يؤمنون بها أصلًا.

هم يؤمنون فقط بالدولة حين تخدمهم،

ويتمرّدون عليها حين تعيق مصالحهم.

وهنا المفارقة القاتلة:

من يتّهمون غيرهم بأنهم “أدوات إقليمية”،

تبيّن أنهم أدوات طمع،

وأسرى وهم النفوذ،

ومستعدّون لتصديق أي “أمير”، حقيقيًا كان أم متخيّلًا،

طالما أنه يَعِد.

لبنان لا يعاني فقط من قوى تعمل خارج الدولة،

بل من طبقة سياسية لا تعترف أصلًا بحدود الدولة،

وتتعامل معها كسوق، لا ككيان.

إن لم تُحاسَب هذه الذهنية،

وإن لم يُوحَّد معيار السيادة،

فإن المشكلة لن تكون في “أبو عمر” وأمثاله،

بل في نظام يسمح للوهم بأن يحكم،

وللطمع بأن يُشرّع،

وللقانون بأن يُستخدم ضد الضعفاء فقط.

وفي هذه الحالة،

لن يكون السؤال: من يعمل خارج الدولة؟

بل: هل بقيت دولة أصلًا؟