الجولاني بين قناع الاعتدال وشهوة السلطة: هل ينجح في إعادة كتابة تاريخه؟

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

الجولاني بين قناع الاعتدال وشهوة السلطة: هل ينجح في إعادة كتابة تاريخه؟

في خضم مرحلة تحول حاسمة تشهدها سوريا، برز أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ"أبو محمد الجولاني"، كأحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل، محاولًا إعادة صياغة دوره على الساحة السورية. وبينما يواصل الظهور بوجه جديد وخطاب مختلف، تظل الشكوك تحيط بنواياه الحقيقية، وما إذا كان يسعى لبناء دور وطني حقيقي أم أنه يتقن لعبة البقاء في السلطة تحت مسميات مختلفة

منذ فترة، بدأ الجولاني بتغيير استراتيجي في ظهوره الإعلامي وخطابه السياسي. ظهر في مقابلة مع قناة "سي إن إن"، متخليًا عن ألقابه السابقة، وأرسل رسائل تطمين لدول الجوار، كما حرص على الظهور في مناطق مثل حلب ودمشق. لكن خلف هذه التحركات، يبرز سؤال ملحّ: هل هذا التحول يعكس رؤية سياسية جديدة حقًا؟ أم أنه مجرد تكتيك لتعزيز نفوذه؟

بحسب مراقبين، هذه التحركات لا يمكن فصلها عن محاولات الجولاني للتخلص من إرثه الثقيل كقائد لتنظيم "هيئة تحرير الشام"، المدرج على لوائح الإرهاب الدولية. لكن هذا الإرث يجعل أي تقارب دولي أو محلي مع الجولاني محفوفًا بالمخاطر، حيث لا تزال اسمه وتنظيمه يثيران حذرًا إقليميًا ودوليًا كبيرًا.

 

وجود اسم الجولاني على قوائم الإرهاب يشكل عائقًا كبيرًا أمام أي طموح سياسي يسعى لتحقيقه. فالولايات المتحدة لا تزال تصنفه كهدف رئيسي، حيث تعرض مكافآت مالية للإدلاء بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه. وعلى الجانب الآخر، تُستغل هذه التهمة كذريعة من قبل قوى إقليمية، مثل إسرائيل، لتبرير تدخلاتها المتكررة في سوريا تحت شعار "مكافحة الإرهاب".

 

في هذا السياق، يحاول الجولاني تقديم نفسه كبديل سياسي معتدل قادر على لعب دور محوري في مستقبل سوريا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لشخصية بهذا التاريخ أن تكتسب ثقة محلية ودولية؟

 

إذا أراد الجولاني المضي قدمًا نحو إعادة صياغة دوره، فإن الخطوة الأولى تتمثل في تفكيك تنظيم هيئة تحرير الشام بشكل كامل، والتخلي عن طموحاته العسكرية لصالح مشروع وطني جامع. أي محاولة للبقاء كزعيم عسكري ستُبقيه محاصرًا بإرثه القديم، مما يعزز العزلة الدولية حوله ويُفاقم الانقسامات الداخلية.

 

الرسالة التي يجب أن تصل إلى الجولاني واضحة: تفكيك التنظيم ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة تاريخية إذا أراد أن يُعتبر جزءًا من الحل وليس العقبة.

 

يمكن رسم عدة سيناريوهات لمستقبل الجولاني بناءً على تحركاته المقبلة:

 

 إعادة التشكيل السياسي: إذا نجح في تفكيك تنظيمه ودمج أفراده في مشروع سياسي شامل، قد يجد نفسه لاعبًا مقبولًا على الساحة الدولية.

 استمرار العزلة: بقاء الجولاني وتنظيمه على قوائم الإرهاب سيُبقيه رهين الماضي، مما يعوق أي طموح سياسي.

 

 استغلال دولي وإقليمي: تحركات الجولاني قد تُستخدم كذريعة من قوى إقليمية للتدخل في سوريا، خاصة من قبل إسرائيل التي تبرر تدخلاتها بحجة "محاربة الإرهاب".

هل ينجح الجولاني في تغيير صورته؟

تظل الإجابة على هذا السؤال رهنًا بتحركاته المقبلة. فالتاريخ لا يرحم من يكرر أخطاءه، وسوريا، التي تبحث عن طريق للاستقرار، لا يمكن أن تحتمل مزيدًا من التناقضات أو الأجندات الفردية. الجولاني أمام مفترق طرق: إما أن يُقدم على خطوات جريئة تُعيد تشكيل صورته ودوره، أو يبقى أسيرًا لخطاب قديم انتهت صلاحيته.