من بيروت بشجاعة… رسالة إلى الأمير محمد بن سلمان
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
                                بيروت تتحدث بلغة الشجاعة
من مدينةٍ تعوّدت أن تصرخ بالألم، يخرج اليوم صوتٌ جديد
هادئ، عاقل، لكنه جريء إلى حدّ أن يهزّ ضمير الشرق الأوسط.
صوتٌ لا يطلب حربًا ولا يعلن ولاءً، بل يدعو إلى إنقاذ وطنٍ اسمه لبنان.
ومن بيروت التي تعرف ثمن الصمت وثمن الصراخ،
تُوجَّه هذه الرسالة إلى رجلٍ واحدٍ يفهم أن السياسة ليست مجرد إدارة نفوذ،
بل هندسة مستقبلٍ كاملٍ لأمةٍ بأكملها
إلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
في زمنٍ انهكت فيه المزايدات لبنان،
خرج فخامة الرئيس جوزف عون ليقول ما لم يجرؤ أحد على قوله:
> “ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض، فالتفاوض لا يكون مع صديق، بل مع عدو.”
هذه العبارة القصيرة كانت كالقنبلة الهادئة
أيقظت ضمائر النخب، وأعادت تعريف معنى الوطنية.
فمنذ عقود، كان “القرار” اللبناني مقسومًا بين البندقية والمنبر،
أما اليوم، فقد عادت الشرعية إلى صوت الدولة.
لم يكن الرئيس يعلن استسلامًا، بل انتصار العقل على الفوضى.
كان يقول بوضوح: "لبنان يريد أن يعيش بسيادته، لا بوصاية أحد."
النقاط الخمس... الجرح الصغير الذي يفتح الحروب الكبيرة
على الحدود الجنوبية للبنان، خمس نقاط لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.
جرح صغير في الجغرافيا، لكنه نزيف في السيادة.
تلك النقاط الخمس تحوّلت إلى ذريعةٍ دائمةٍ لاحتفاظ حزب الله بسلاحه،
وإلى بابٍ مفتوحٍ أمام التدخلات الإقليمية.
لكن إذا انسحبت إسرائيل منها اليوم،
فإنها لن تُعيد فقط بضعة أمتارٍ من الأرض،
بل ستعيد للبنان حقّه في القرار الحر،
وستُغلق الباب أمام السلاح غير الشرعي،
وتمنح الرئيس عون الغطاء الأخلاقي والسياسي للمضي في طريق السلام.
سمو الأمير محمد بن سلمان،
لقد أثبتم أن الشجاعة ليست في الحرب، بل في القدرة على تغيير مسارها.
ومن الرياض التي أطلقت “رؤية 2030” للنهضة،
يمكن أن تنطلق اليوم “رؤية سلامٍ لبنانيٍّ – عربيٍّ – دوليٍّ”،
تُعيد للبنان توازنه، وتُعيد للمنطقة توازنها.
في زيارتكم المرتقبة إلى واشنطن،
يحمل الشرق العربي كله آمالًا كبرى بأن يُعاد ترتيب الأوراق.
ولبنان الصغير يهمس إليكم من بيروت:
> “يا سمو الأمير، اضغطوا من أجل الانسحاب من النقاط الخمس.
فبذلك نقطع الطريق على من يتاجر بالسلاح،
ونمنح الدولة اللبنانية فرصة استعادة هيبتها.”
إنها ليست مطالبة سياسية، بل نداء شرف عربي.
فالذي يُعيد قطعة أرضٍ للبنان،
يعيد معه الإيمان بدولةٍ عربيةٍ لا تموت.
بين الرياض وبيروت خيط من التاريخ والمصير المشترك.
كانت السعودية دائمًا بيت العرب، وملاذ لبنان في أزماته.
واليوم، يمكن أن تكون جسر خلاصه الأخير.
إن انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، بوساطةٍ سعوديةٍ وغطاءٍ أميركي،
لن يكون تنازلًا من أحد،
بل ولادة نظامٍ لبنانيٍّ جديد يقوم على الشرعية، لا السلاح.
وسيُسجَّل في التاريخ أن الرياض منحت لبنان حياته الثانية.
يا سمو الأمير محمد بن سلمان،
لبنان لا يطلب مالًا ولا حماية،
بل يطلب أن يُسمع صوته كدولةٍ حقيقيةٍ تريد الحياة.
من بيروت بشجاعةٍ وصدق،
من وطنٍ أنهكته الحروب لكنه ما زال يحلم،
تخرج هذه الرسالة إليكم:
> "ساعدونا على أن نُعيد للدولة صوتها،
وللسلام منطقه،
وللأرض كرامتها."
فربما تكون هذه المرة، المرة الأخيرة التي يمكن أن يُنقذ فيها لبنان بالعقل قبل أن يُبتلع بالنار.