حزب الله بين خطاب الطائفة ولعبة النفوذ: هل يهدد أمن السُنّة؟

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

حزب الله بين خطاب الطائفة ولعبة النفوذ: هل يهدد أمن السُنّة؟

في أعقاب الهدنة المثيرة للجدل التي أبرمها، أطلق حزب الله تصريحات شكر وامتنان تجاه الطائفة السنية، لتهدئة التوترات وتعزيز مناخ المصالحة. لكن هذه المبادرة لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما عاد الحزب إلى خطابٍ تصعيدي، تزامن مع تطورات إقليمية، أبرزها سقوط أحد أبرز حلفائه في سوريا.

وفي هذا السياق، شهدت الساحة الإعلامية موجة من الأخبار التي تروج لوجود "مخاطر تكفيرية" تتهدد الطوائف الشيعية والعلوية، وتحذر من أن "الإمارة التكفيرية" باتت على وشك أن ترى النور في شمال سوريا. هذا التوجه الإعلامي يعكس رغبة الحزب في تعزيز صورته كحامٍ للأقليات في مواجهة خطر مُفترض، بينما يسعى داخليًا إلى إعادة ترتيب أوراقه السياسية.

هل يتجه الحزب نحو التصعيد الأمني؟

لكن الأخطر من التصعيد الإعلامي هو احتمال انتقال الحزب إلى خطوات أكثر خطورة على الأرض. إذ يمتلك الحزب أدوات ميدانية متعددة، منها "سرايا المقاومة" وبعض المجموعات المسلحة التي تعمل تحت حمايته، مما يجعله قادرًا على إثارة اضطرابات أمنية في المناطق السنية إذا استدعت الحاجة ذلك.

يأتي هذا في ظل ضعف واضح في الموقف السياسي والإعلامي لدى القيادات السنية، حيث تغيب الاستراتيجيات الموحدة والرؤية الواضحة للتعامل مع التحديات المتزايدة. على الجانب الآخر، ظهرت منصات إعلامية بديلة تحاول ملء الفراغ، لكنها في بعض الأحيان تنخرط في الترويج لخطابات تعزز الانقسام الطائفي، أو تصب بطريقة غير مباشرة في مصلحة أهداف الحزب.

التحركات الحالية لحزب الله ليست وليدة اللحظة، بل تبدو كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية عدة. من أبرزها:

 تقويض دعم ترشيح العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، خاصة مع تنامي التأييد الشعبي والدولي له.

 إرباك النخب السنية، ودفعها إلى حالة من الدفاع السلبي بدلًا من تبني خطاب سيادي جريء.

 إعادة تسويق الحزب كمدافع عن الأقليات، مستفيدًا من خطاب "مواجهة التكفيريين"، لتعزيز دوره في القرار السياسي اللبناني.

ما المطلوب من الساحة السنية؟

في ظل هذا المشهد المعقد، تبدو الساحة السنية بحاجة ماسة إلى استراتيجية شاملة تعيد ترتيب أوراقها السياسية والإعلامية. المطلوب ليس فقط خطابًا سياسيًا أكثر جرأة وشجاعة، بل أيضًا توحيد الجهود تحت مظلة مشروع وطني جامع، قادر على استعادة ثقة القواعد الشعبية وإعادة التوازن للمشهد السياسي.

كما أن تعزيز الحضور الإعلامي المؤثر بات ضرورة ملحة، خاصة مع تصاعد الحملات المنظمة التي تهدف إلى تشويه أي تحرك سني وطني. بناء هذا الحضور يحتاج إلى رؤية استراتيجية تعتمد على الحقائق والتحليل الموضوعي بدلًا من الانجرار وراء ردود الأفعال العاطفية.

إن الوضع الراهن يُظهر بوضوح أن حزب الله يعمل على إعادة تشكيل المشهد السياسي بما يتناسب مع مصالحه الإقليمية والمحلية. التحدي الأكبر اليوم يتمثل في قدرة الأطراف الأخرى، خاصة القيادات السنية، على تبني خطاب موحد واستراتيجية فعالة تعيد التوازن السياسي وتساعد في استعادة الدور الوطني الجامع الذي افتقدته البلاد في السنوات الأخيرة.