الضاحية تحت النار… وسوريا بلا عمق… وغزة خارج المعادلة:
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
حزب الله أمام النهاية التي لم يعد يملك ترف تأجيلها”
لم تعد الضربة الأخيرة في عمق الضاحية الجنوبية مجرّد عملية إسرائيلية عابرة.
كانت إعلانًا مدوّيًا بأن مرحلة بكاملها انتهت، وأن حزب الله يقف أمام مشهدٍ لا يشبه أيًّا من المعارك التي اعتادها، ولا يجد فيه سوريا التي عرفها، ولا غزة التي ظنّ أنها ستشكل سندًا، ولا إقليمًا قادرًا على حمايته من استحقاق الحقيقة.
فالتحوّل ليس عسكريًا وحسب… بل تاريخيًا.
وما كان يُدار بالظلّ أصبح الآن تحت الضوء الساطع:
سلاح متضائل الجدوى، وعمق إقليمي انهار، ومعادلات ردع تفككت، وبيئة لبنانية وصلت إلى حافة الانفجار.
الضربة الأخيرة لم تُصِب شخصًا… بل أصابت “فكرة”
إسرائيل لم تستهدف فردًا من قيادة الحزب.
استهدفت ما تبقى من صورة القوة التي حاول الحزب إعادة ترميمها خلال الشهر الماضي بعد حرب الإسناد.
استهدفت ما كان يُسوّق على أنه “المستوى الجديد” من الجهوزية، وكشفت أن معظم عمليات البناء العسكري باتت مكشوفة ومخترقة وتحت الملاحقة.
وللمرة الأولى، اعترفت أوساط قريبة من الحزب بأن شبكة القيادة الفعلية تقلّصت، وأن السرية التي كانت أساس قوته أصبحت عبئًا ثقيلًا لا يحمي أحدًا.
سوريا الجديدة… بلا بشار وبلا عمق وبلا قدرة على حماية أحد
التحوّل السوري الأخير كان كارثيًا على الحزب.
فخروج سوريا من موقع “العمود الاستراتيجي” يعني سقوط أهم قناة دعم عاش عليها الحزب لأكثر من عشرين عامًا.
اليوم، سوريا ليست الحليف الذي يفتح المخازن والمعابر.
بل بلد يتغير، تبحث فيه القوى الدولية عن ترتيبات جديدة، وتُقطع فيه خطوط النفوذ الإيرانية، ويُعاد فيه توزيع الأوراق.
ومهما حاول الحزب إخفاء ذلك، فإن الحقيقة واضحة:
سوريا الجديدة ليست سوريا التي حملته.
والطريق الذي كان يصل طهران ببيروت انكسر.
غزة… الجبهة التي انتهت
الحزب بنى جزءًا كبيرًا من خطابه على “وحدة الجبهات”.
لكن غزة اليوم ليست جبهة… بل ملف دولي معلّق تحت إشراف كامل القوى الكبرى.
لا قدرة قتالية.
لا إمكانات.
لا تنسيق.
ولا أفق للمواجهة.
غزة التي شكلت عنصر دعم نفسي وسياسي، خرجت من الخدمة العسكرية، ومجرد ذكر “التحالف معها” لم يعد يعوّض عن خسارة العمق السوري.
لبنان لم يعد يحتمل… ولا يريد دفع ثمن السلاح
لبنان اليوم ليس لبنان الأمس.
الناس أنهكهم الانهيار.
والاقتصاد فقد أوكسجينه.
والدولة فقدت قدرتها على الاستمرار.
وكل ضربة تُعيد اللبنانيين إلى لحظات الرعب الأولى.
لمن يبقى السلاح إذا كانت البيئة التي تحمله تقف على حافة الانهيار؟
وما معنى “المقاومة” عندما يُهدَّد البلد نفسه بالزوال؟
زمن السلاح الإقليمي انتهى… والمرحلة ليست قابلة للإنكار
أخطر ما يواجه الحزب اليوم ليس الضربات الإسرائيلية، بل طبيعة اللحظة الإقليمية التي تغيّرت بالكامل:
إيران منشغلة بملفات أكبر من لبنان.
سوريا خارجة من نفوذها التقليدي.
غزة تُعاد هندستها سياسيًا.
واشنطن وتل أبيب تعيدان رسم قواعد اللعبة.
ولبنان نفسه يريد الخروج من منطق الجبهات بأي ثمن.
هذه ليست تفاصيل.
هذه نهاية حقبة.
والسؤال الذي سيُطرح بقوة في المرحلة المقبلة هو:
هل يقبل الحزب أن يعترف بأن زمن السلاح كما عرفه انتهى…
أم سيتمسّك بمشهد تغيّر من حوله بالكامل؟
للمرة الأولى… حزب الله محاصر بلا عمقٍ وبلا جبهةٍ وبلا رئةٍ تتنفس
الضاحية لم تُقصف فقط.
بل قُصفت معها كل المعادلات التي بنتها إيران قبل عشرين عامًا.
قُصفت فكرة “العمق السوري”.
وقُصفت “الجبهة الفلسطينية”.
وقُصفت القدرة على الرد.
وقُصفت معها كل الرواية القديمة.
والمعادلة الجديدة واضحة:
إما دولة لبنانية واحدة بقرار واحد،
أو انهيار شامل لن ينجو منه أحد.
هذه اللحظة ليست لحظة مواجهة فقط…
إنها لحظة نهاية مرحلة وبداية مرحلة لم يعد فيها فائض القوة ضمانة، ولا فائض السلاح حماية، ولا فائض الشعارات غطاء.
لبنان يقف اليوم أمام سؤال واحد لا ثانٍ له:
هل يمكن لسلاحٍ بلا عمق… وبلا جبهة… وبلا حليف… أن يستمر؟
أم أن الحقيقة التي يُحاول الجميع تأجيلها وصلت؟