لا لمحاصصة الطوائف.. نعم لوطن السيادة والكفاءات

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

لا لمحاصصة الطوائف.. نعم لوطن السيادة والكفاءات

لقد أصبح من الواضح أن لبنان يعيش في دوامة المحاصصة الطائفية والسياسية التي تُجهض أي فرصة حقيقية للإصلاح والنهوض. مع تكليف الرئيس نواف سلام بتشكيل الحكومة، تبرز تساؤلات جوهرية حول مواقفه، أدائه، وتوجهاته، التي لا تزال للأسف محكومة بمنطق المراعاة السياسية على حساب المصلحة الوطنية العليا.

إن المحاصصة الطائفية ليست سوى تكريس لعقلية الاستزلام والفساد التي أنهكت مؤسسات الدولة وحوّلتها إلى أدوات لخدمة الزعامات بدلاً من خدمة الشعب. إنّ إرضاء "الثنائي الشيعي" واللوبيات السياسية الأخرى في عملية التشكيل الحكومي لا يمثل إلا استمراراً لمسلسل الفشل السياسي الذي يعاني منه لبنان منذ عقود.

نواف سلام، الذي كان من المفترض أن يمثل صوت الإصلاح والشفافية، يظهر حتى الآن أسيراً لمعادلات المصالح السياسية. قراراته البطيئة، وتجاهله لضرورة الاستقلالية الوطنية، يثيران الشكوك حول قدرته على كسر المنظومة الراسخة. فكيف يمكن أن نتحدث عن تغيير إذا كان نهجه في تشكيل الحكومة يدور في فلك المصالح ذاتها التي أوصلت لبنان إلى الانهيار؟

 التمثيل السني: غائب أم مغيَّب؟

لقد أثبت التاريخ أن أي إقصاء أو تهميش لأي مكون وطني يؤدي إلى اهتزاز الاستقرار. الرئيس نواف سلام، الذي جاء ممثلاً عن الطائفة السنية، يتجاهل دور هذه الطائفة في رسم مستقبل لبنان. غياب الزيارات للمراجع الدينية مثل دار الفتوى ليس تحرراً من الطائفية كما قد يدّعي البعض، بل هو استخفاف برمزيتها الوطنية ودورها الجامع.

لا يمكن إنكار أنّ الطائفة السنية قدّمت عبر التاريخ رموزاً سياسية وطنية حافظت على التوازن في النظام اللبناني. فكيف يسمح سلام لنفسه أن يتجاهل هذه المرجعيات لصالح تحالفات هشّة ومؤقتة مع قوى سياسية أخرى؟

بدلاً من الانغماس في دوامة المحاصصة، كان يمكن للرئيس المكلف أن يلجأ إلى الكفاءات الوطنية التي تزخر بها مختلف المناطق اللبنانية. الأسماء اللامعة في عكار، طرابلس، والضنية ليست مجرد أرقام انتخابية، بل هي نماذج مضيئة قادرة على إعادة الاعتبار للدولة. تجاهل هذه الكفاءات يعكس ضعفاً في الرؤية، ويؤكد أن الرئيس المكلف لا يسير نحو تشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة.

 رسالة إلى الرئيس المكلف: لبنان ليس لعبة محاصصة

إنّ استمرار الرئيس المكلف في نهجه الحالي سيُفقده الدعم الشعبي وسيدفع لبنان إلى مزيد من التدهور. الحل لا يكون بالخضوع لضغوط القوى السياسية أو بالتغاضي عن التمثيل الحقيقي لمختلف مكونات الشعب اللبناني. بل يكون في اتخاذ خطوات جريئة تضع الكفاءة الوطنية والعدالة الاجتماعية فوق أي اعتبار آخر.

على الرئيس المكلف أن يدرك أن التاريخ لن يرحم من خان الأمانة، وأنّ الشعب اللبناني لن يسامح من أضاع فرص النهوض. الرسالة واضحة: كفى مراوغة، وكفى انصياعاً لسياسات المحاصصة. إنقاذ لبنان يحتاج إلى قيادة جريئة تضع الوطن أولاً، بعيداً عن الحسابات الطائفية والمصلحية.

لبنان يستحق أكثر من حكومة ترضية. يستحق حكومة وطنية حقيقية تعيد للدولة هيبتها وللمواطن كرامته.