سلاح بلا وظيفة... وورقة تفاوض للبيع
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في لحظة مفصلية من عمر الوطن، يسقط القناع الأخير عن سلاح طالما رُفع تحت راية المقاومة. اليوم، لم يعُد هذا السلاح يُشهر في وجه العدو، بل يُوضع على طاولة مفاوضات لا يجلس فيها لبنان، ويُناقش كأنه بندٌ في صفقة، لا كقضية وطنية.
في الغرف المغلقة، تُساوَم إيران على مستقبل النووي... و"حزب الله" في السلّة.
لم يَعُد سرًّا أن المفاوضات الأميركية-الإيرانية تتضمّن ملف السلاح اللبناني. واشنطن تطالب، وطهران تساوم، والحزب يرفع صوته ليُخفي قلقه. فالتاريخ يُعيد نفسه، ولكن هذه المرّة، لا غطاء إقليمياً مطلق، ولا إجماع داخلي، ولا بيئة شعبية مستعدة لدفع ثمن الحروب نيابة عن أحد.
كل المبررات التي أبقت هذا السلاح فوق الدولة، تحطّمت واحدة تلو الأخرى:
قيل إن السلاح لحماية لبنان من الاحتلال... لكن الاحتلال جاء، وخرق، وقتل، واحتل، ولم يردعه أحد.
قيل إن الدولة ضعيفة... لكنها تنهض، ولو بخطوات متعثرة، وتستعيد الجنوب خطوةً خطوة.
قيل إن السلاح يمنع الفتنة... فإذا به يغذّيها، ويزرع الخوف في كل بيت.
قيل إنه مؤقت... فصار دائمًا، يتكاثر ويتضخم ويتحكم.
قيل إنه يحمي بيئة المقاومة... فإذ بهذه البيئة نفسها تدفع الثمن: دمار، عزلة، تهديد دائم.
والمواطن؟
هو الذي يخسر منزله في الجنوب بصمت، يخاف أن يُصنّف "مشبوهًا" إن تساءل، ويُطلب منه أن يصمت باسم "القداسة".
والآن، ومع كل هذا الانكشاف، يُصرّ "حزب الله" على أن "نزع السلاح غير قابل للنقاش".
لكن الواقع أبلغ من التصريحات:
العالم يناقش، والإقليم يساوم، ولبنان صامت، والحزب وحيد.
سقطت آخر المبررات، وبقي السلاح.
ليس كدرع، بل كعبء.
ليس كقوة، بل كورقة للبيع.
ومع كل يوم تأجيل، يخسر لبنان فرصة جديدة للانضمام إلى لحظة التسويات الكبرى التي تعيد رسم المنطقة.
كل ما يُطلب الآن ليس "نزع السلاح بالقوة"، بل نزع الغموض أولاً.
تسمية الأمور بأسمائها.
تحديد وظيفة السلاح، ومداه، وحدوده، ومتى ينتهي دوره... إن كان له دور بعد الآن.
لأن لا دولة يمكن أن تولد، وهناك من يحتكر قرار السلم والحرب.
ولا مستقبل لبلد، يُدار كرهينة في حقيبة مفاوض خارجي.