لبنان بين الدولة والدويلة: هل حان وقت إسقاط معادلة الفوضى؟
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
لقد أصبح اللبنانيون معتادين على مصطلحات مثل "حكومة تصريف الأعمال" و"الشغور الرئاسي"، وكأن الجمود السياسي قد تحوّل إلى جزءٍ لا يتجزأ من يومياتهم، وصار تغييره يبدو وكأنه مهمة مستحيلة.
لكن الواقع يشير إلى أن المرحلة الراهنة تشهد تحولاتٍ عميقة، خصوصاً مع استمرار تداعيات الانحسار الإيراني في لبنان وسوريا. هذه التحولات ليست سوى جزء من التبعات الكبرى لما يمكن تسميته بـ"الزلزال السوري"، الذي لا تزال ارتداداته السياسية والاقتصادية تلقي بظلالها على المنطقة بأسرها.
في هذا السياق، يأتي انتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، مرفقاً بخطابه التاريخي الذي أكد على أهمية السيادة الوطنية، إلى جانب اختيار القاضي نواف سلام، ذو الخلفية القانونية والسياسية الرفيعة، لقيادة الحكومة. هذان الحدثان يشكلان نقطة تحول محتملة في تاريخ لبنان. لكن يبقى التحدي الأكبر في ترجمة هذه اللحظة إلى خطوات عملية تعيد مفهوم الدولة إلى مكانته الطبيعية، بعيداً عن هيمنة الدويلة.
تُطرح اليوم على عاتق القيادة اللبنانية الجديدة مسؤولية كبرى تتمثل في إعادة بناء الدولة وفق أسس واضحة، تبدأ من الالتزام بتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن رقم 1701، هذا القرار يركز على نزع السلاح من كافة الفصائل المسلحة غير الشرعية، وحصر القوة العسكرية بمؤسسات الدولة وحدها، إضافة إلى ضمان السيطرة الكاملة على الحدود.
إن المنطقة التي نعيش فيها مترابطة بشكل يجعل أي تغيير في أحد أجزائها يترك أثراً مباشراً على البقية. والدليل على ذلك ما شهدته الكويت مؤخراً، حينما ألغت محكمة التمييز حكماً سابقاً ببراءة 13 متهماً في قضية تمويل "حزب الله"، وأصدرت بحقهم أحكاماً بالسجن والغرامة، كما نشرت صحيفة "القبس" الكويتية.
لكن التعامل مع تحديات الماضي وحده لا يكفي؛ يجب ترسيخ حقائق سياسية واجتماعية جديدة تمنع العودة إلى دائرة الفوضى. وهنا تظهر أهمية العمل الجاد والمستمر من أجل تثبيت سيادة الدولة.
القاضي نواف سلام، بصفته رجل قانون وإدارة، يدرك تماماً مكامن الأزمة اللبنانية. وفي كتابه الذي نشره عام 1989 بعنوان "الإصلاح الممكن والإصلاح المنشود: بحوث ومقالات في الأزمة اللبنانية"، طرح رؤية واضحة للإصلاح. هذه الرؤية تحتاج اليوم إلى تفعيل من خلال تعاون القيادات والعمل بروح المسؤولية الوطنية.
الرهان الآن ليس على الخطابات، بل على الفعل. المطلوب هو تحويل هذه اللحظة التاريخية إلى فرصة للإنقاذ الحقيقي. فلا مجال للانتظار، ولا بد من أن يبدأ العمل فوراً.