نواف سلام… رجل السيادة في زمن الارتهان

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

نواف سلام… رجل السيادة في زمن الارتهان

في بلدٍ ينهش جسده الفساد وتتنازعه المحاور، يطلّ رجلٌ بوجهٍ مختلف وصوتٍ صريح يذكّر اللبنانيين والعالم بأنّ لبنان لم يولد ليكون ساحة، بل دولة. ذلك الرجل هو نواف سلام، رجل القانون والسيادة، وأحد آخر رجال الاستقلال في زمن يُدار فيه لبنان من خلف الستائر السوداء لغرف مغلقة لا يعرفها الدستور.

اليوم، في لحظةٍ حاسمة، يتبيّن للبنانيين أن رئيس حكومتهم ليس "مجرّد موظّف إداري"، بل رجلٌ يحمل همّ استعادة المعنى الحقيقي للسلطة التنفيذية، كما أراده الدستور وكما حلم به رجالات الاستقلال الأوائل.

سلام لم يساوم. لم يقبل أن يُوقَّع باسمه ما لا يرضاه ضميره. واجه بصراحةٍ فظّة منظومةً اعتادت أن تهمّش رؤساء الحكومات وتختزل دورهم. لم يطلب المستحيل، بل طالب بما هو بديهي: أن تُنفّذ الأجهزة الأمنية أوامر رئيس الحكومة، لا أوامر ظلّ تأتي من بعبدا أو من خارج الحدود.

إنّ المواجهة عند صخرة الروشة لم تكن تفصيلاً. هناك كُشف المستور: أجهزة أمنية انحازت لحزبٍ واحد بدل أن تنحاز للدولة، وتصرّفت كأنها وصيّة على الشعب لا خادمة للقانون. لكن صمت سلام لم يكن ضعفاً، بل كان قراراً بالتصعيد الهادئ، بالتذكير أنّ الدستور ليس وجهة نظر، وأنّ السلطة التنفيذية لا تُدار بالرسائل الجانبية بل بالمؤسسات.

نواف سلام، رجل الدبلوماسية الدولية السابق، ليس غريباً عن لغة العالم. يعرف تماماً كيف يقرأ العواصم الكبرى لبنان: دولة على مفترق طرق بين أن تكون جمهورية سيّدة أو مجرّد ساحة صراع. وهو يضع نفسه اليوم في خانة الرجل الذي يرفض تحوّل لبنان إلى "جمهورية أبي الفضل"، جمهورية الحزب الواحد والقرار الواحد.

إنّ صوته ليس صرخة داخلية فحسب، بل رسالة إلى المجتمع الدولي والعالم العربي:

 لبنان لا يُختصر بسلاح، ولا يُختزل برئيس جمهورية متحالف مع حزب، ولا يُهان بتهميش رئيس حكومة.

في وجه العاصفة، يظهر سلام كأنه امتداد لتلك السلالة التي صنعت الاستقلال عام 1943: بشارة الخوري، رياض الصلح، كميل شمعون… رجالٌ آمنوا أنّ لبنان يستحق الحرية مهما كانت الكلفة.

اليوم، إذا كان على العالم أن يبحث عن رجل دولة لبناني يُمكن الوثوق به، فليس هناك سوى اسمٍ واحدٍ يتردّد بجرأة وثبات:

نواف سلام، رجل السيادة، آخر رجال الاستقلال.