زهران ممداني... الشاب الذي دوّى صوته من نيويورك إلى العالم: حين ينهض جيلٌ ليعيد تعريف القوة

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

زهران ممداني... الشاب الذي دوّى صوته من نيويورك إلى العالم: حين ينهض جيلٌ ليعيد تعريف القوة

في مساءٍ أمريكيّ بارد، دوّى صوت من حيث لم يتوقع أحد.
شابٌّ بملامح مهاجرٍ إفريقيّ الجذور، اسمه زهران ممداني، فاز برئاسة بلدية نيويورك — لا كسياسي تقليدي ولا كوجهٍ مكرّس في لوبيات السلطة، بل كرمزٍ لما يمكن أن يُسمّى: انفجار الوعي الجيلي الجديد.

إنه الحدث الذي تجاوز حدود المدينة إلى قلب العالم.
لم يكن فوز ممداني مجرّد تناوبٍ ديمقراطي في انتخابات محلية، بل صرخة عالمية تقول إن زمن السلطة الأحادية انتهى، وإنّ العالم الغربي نفسه يعيش ثورته الصامتة — ثورة جيلٍ شابٍّ لم يعد يقبل أن تُحكم المدن بعقلية ما قبل الإنترنت، ولا أن يُدار مستقبله بمنطق المساومات القديمة.

لم يكن أحد يتخيّل أن عضوًا اشتراكيًا تقدميًا، كان قبل سنوات يوزّع المنشورات في أحياء كوينز ويدعو لخفض الإيجارات، سيُسقط الحاكم السابق أندرو كومو، أحد رموز المؤسسة الديمقراطية الأمريكية.
لكن ما حدث لم يكن معركة أفراد، بل معركة أجيال.

لقد صوّت الشباب والمهاجرون والعاملون، لا لممداني فحسب، بل لأنفسهم — لتاريخهم المنسي، لغضبهم من الغلاء، لخيبة أملهم من السياسة التقليدية.
كانوا يقولون للعالم: “لقد تعبنا من قيادات تُشبه البنوك أكثر مما تُشبه الناس”.

من بيروت إلى القاهرة، ومن لندن إلى واشنطن، تردّد صدى فوز ممداني كأنه إعلان ميلاد عصر جديد.
فالسياسي الشاب لم يأتِ من خلفية بيضاء أرستقراطية، بل من جذرٍ إفريقيّ مسلم، حمل معه رمزية نادرة: أن تكون مهاجرًا ومسلمًا ويساريًا في آنٍ واحد وتفوز في عاصمة العالم.

هذا وحده انقلاب في معايير القوة.
لقد تمكّن جيل ما بعد 11 سبتمبر من كسر حاجز الصورة النمطية — لا كضحية تبحث عن اعتذار، بل كصوتٍ صاعد يفرض معادلة جديدة:
“لسنا على الهامش بعد اليوم”.

قال بيل ماهر ساخرًا إن فوز ممداني “هدية مجانية لترمب”، لكن الواقع أعمق بكثير من سخرية الإعلام التقليدي.
فما يجري في نيويورك ليس نكسة ديمقراطية، بل تحوّل فلسفي في معنى السياسة:
الشباب لم يعودوا يثقون في الأحزاب، بل في القيم — العدالة، الكرامة، المساواة.
وممداني، شاء أم أبى، أصبح مرآة لذلك التحوّل العالمي الذي يشبه الربيع الأمريكي المتأخّر.

في زمنٍ تتشابه فيه المدن الكبرى من بيروت إلى نيويورك، فإنّ المعركة واحدة:
سكنٌ لا يُحتكر، طعامٌ لا يُسرق من أفواه الفقراء، وكرامةٌ لا تُباع في الحملات الانتخابية.

إن فوز ممداني ليس نصرًا لحزب، بل هزيمة لعصرٍ كامل من الغطرسة السياسية التي احتكرت الحلم الأمريكي ووزّعته بالقطارة.
ومن هنا يأتي المعنى الحقيقي: أن تتحوّل نيويورك، مركز المال والإعلام، إلى منصةٍ لصوتٍ اشتراكيّ شبابيّ من أصول مهاجرة — فهذا وحده إعلان سقوط الحدود بين المحلي والعالمي، بين السياسي والأخلاقي.

ربما لم يدرك أوباما أو ترمب بعد أن اللعبة تغيّرت.
لم يعد المستقبل ملكًا لخطاباتهم، بل لأولئك الذين وُلدوا وسط أزمات 2008 و2020 و2023، وتعلّموا أن لا ينتظروا إذنًا كي يغيّروا.
جيل ممداني هو جيلٌ لا يخاف من الفوضى لأنه وُلد منها، ولا يهاب السلطة لأنها لم تمنحه شيئًا.
وها هو اليوم يعلن، من نيويورك إلى بيروت، أن العالم الذي يُدار بعقلية التسويات القديمة يقترب من نهايته.

زهران ممداني ليس مجرد رئيس بلدية. إنه رمز لانفجارٍ شبابيٍّ عالمي، يقول لأمريكا والعالم: إما أن تتغيّروا، أو ستتغيّركم الأجيال الجديدة.