حين يُدار التوازن من دون شراكة: ما يقوله السُنّة اليوم بصوت منخفض
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
ليس من السهل على أي مكوّن في لبنان أن يقول ما يشعر به من دون أن يُتَّهَم، أو أن يطرح أسئلة من دون أن يُصنَّف. لكن الصمت لم يعد خيارًا، خصوصًا حين يتحوّل إلى سياسة قائمة بحدّ ذاتها.
ما يشعر به كثير من السُنّة في لبنان اليوم ليس عداءً من السعودية، بل غيابًا مقصودًا أو غير مقصود. غياب الإصغاء، وغياب الاهتمام، وغياب الرغبة في التعامل مع واقع سني يتغيّر ويحاول أن يُعيد إنتاج نفسه خارج القوالب القديمة.
أولويات تُقرأ كرسائل
من الواضح أن السعودية أعادت ترتيب مقاربتها للبنان. هذا حق سيادي لدولة كبرى، ولا جدال فيه. لكن ما يثير القلق، هو أن هذه المقاربة باتت ترتكز عمليًا على التعامل مع مرجعيات سياسية معروفة للناس، تُقدَّم كعناوين استقرار وتوازن، في مقابل ترك الساحة السنية بلا شريك فعلي، ولا أفق سياسي، ولا إشارة إيجابية.
الرسالة التي تُفهم في الشارع السني بسيطة وخطيرة في آن:
يمكن إدارة لبنان من دون السُنّة… أو على الأقل من فوقهم.
وهذه ليست قراءة انفعالية، بل انطباع يتراكم مع الوقت، ومع كل تجاهل، ومع كل رهان على أسماء جاهزة بدل الاستثمار في تمثيل فعلي ومتجدد.
السُنّة ليسوا فراغًا
الواقع أن البيئة السنية في لبنان ليست خاوية. فيها قيادات شابة، ونخب فكرية، وشخصيات سياسية تحاول أن تتعلّم من أخطاء الماضي، وأن تقدّم خطاب دولة لا خطاب مواجهة. لكنها تصطدم بحقيقة قاسية: لا أحد يريد المخاطرة بها.
لا دعم، ولا احتضان، ولا حتى فرصة اختبار. في بلد مرتهن للخارج، يصبح هذا التجاهل عمليًا إحباطًا مبكرًا لأي محاولة تجديد.
التوازن لا يُدار بالأسماء وحدها
الاستقرار الذي يُبنى على مرجعيات “مضمونة” قد يبدو مريحًا على المدى القصير، لكنه هشّ على المدى المتوسط. لأن التوازن الحقيقي لا يُصنع من فوق، ولا يُدار عبر قنوات ضيقة، بل عبر شراكة فعلية بين المكوّنات الأساسية.
السُنّة لا يطالبون بدور استثنائي، ولا برعاية خاصة. ما يطالبون به هو ألا يُختصر لبنان من دونهم، وألا تُدار المعادلة وكأنهم تفصيل يمكن تجاوزه.
رسالة إلى الرياض
هذه ليست رسالة عتب، بل رسالة تصحيح.
السعودية ليست بحاجة إلى إدارة استقرار هشّ في لبنان، ولا إلى تجاهل مكوّن أساسي. دعم مرجعيات سياسية معروفة للناس قد يوفّر قنوات سريعة، لكنه لا يبني توازنًا طويل الأمد إذا جاء على حساب شراكة فعلية مع السُنّة.
إضعاف التمثيل السني المعتدل، حتى بصمت، لا يحمي لبنان من الفوضى، بل يؤجّلها.
ورسالة إلى الداخل اللبناني
في المقابل، لا يمكن للسُنّة أن ينتظروا الخارج إلى ما لا نهاية. بناء المشروع السياسي يبقى مسؤولية داخلية أولًا. لكن لا يمكن مطالبة قيادة ناشئة بالصمود في فراغ كامل، ثم تحميلها مسؤولية التعثّر.
الخلاصة
لبنان لا يُدار بتجاوز مكوّناته، ولا بتجميد أحدها.
والسُنّة في لبنان ليسوا عبئًا، ولا مرحلة انتهت، ولا جمهورًا صامتًا.
من يريد استقرارًا حقيقيًا، لا يمكنه أن يكتفي بمرجعيات معروفة للناس، ويتجاهل تمثيلًا شعبيًا واسعًا يبحث عن شراكة لا عن وصاية.
الصمت هنا لم يعد حكمة.
بل صار خللًا يجب معالجته قبل أن يتحوّل إلى أزمة مفتوحة.