الخميس الأسود... متى تكفّ إسرائيل عن اللعب بالنار؟
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
في كل خميس، ينام اللبنانيون على أصوات الانفجارات ويستيقظون على بيانات الإدانة. غارات إسرائيلية متكررة تضرب الجنوب والبقاع، وكأن هذا اليوم صار موعداً ثابتاً لتجديد الألم ولتذكير اللبنانيين بأنهم يعيشون في وطنٍ لم يستعد بعد سيادته الكاملة. ما يجري ليس صدفة، بل جزء من سياسة ممنهجة هدفها إبقاء لبنان في حالة توتر دائم، تمنعه من التقاط أنفاسه، وتحرمه من القدرة على بناء دولة قادرة على فرض سلطتها في الداخل ومواجهة عدوان الخارج. إن إسرائيل تدرك تماماً أن استمرار القصف يجعل من أي نقاش داخلي حول نزع سلاح "حزب الله" أمراً بلا معنى، لأنها تمسك بيدها ورقة الضغط الأقوى: الخطر الخارجي. كيف يمكن لحكومة أن تفاوض على نزع السلاح في وقتٍ تُقصف فيه أراضيها أسبوعياً؟ وكيف يمكن لدولة أن تبني جيشاً وطنياً قوياً بينما أجواؤها تُخترق بلا حساب، وحدودها تُداس بلا رادع؟
لقد تحوّل الصمت الدولي إلى شريك في الجريمة، وصار العجز السياسي العالمي غطاءً لسياسات التدمير الممنهج. آن الأوان للولايات المتحدة، وتحديداً لتوم براك الذي يملك تأثيراً حقيقياً في دوائر القرار في واشنطن وتل أبيب، أن يتحرك بجدية للضغط على إسرائيل كي توقف اعتداءاتها فوراً وتنسحب من الأراضي اللبنانية المحتلة. فلبنان لا يمكنه أن يتعامل مع ملف السلاح الداخلي بينما يُهاجَم من الخارج. الاستقرار لا يُبنى تحت القصف، والسيادة لا تُناقش في ظل الطائرات الحربية.
على إسرائيل أن تدرك أن استمرار الغارات الأسبوعية لن يخلق سلاماً ولا أمناً، بل سيقود إلى انفجارٍ جديد يهدد كل المنطقة. وعلى المجتمع الدولي أن يفهم أن لبنان ليس ساحة تصفية حسابات، بل وطنٌ يريد أن يعيش بكرامة في ظل دولة قوية قادرة على بسط سلطتها على كامل أراضيها. إذا كانت القوى الكبرى صادقة في رغبتها بدولة لبنانية مستقرة، فعليها أولاً أن تضمن وقف العدوان واحترام الحدود، لأن السيادة لا تُمنح بالتصريحات، بل تُصان بالقرارات الواضحة.
إن لبنان بحاجة إلى فرصة حقيقية ليعيد بناء ثقته بنفسه وبمؤسساته، وهذه الفرصة تبدأ من وقف العدوان. على إسرائيل أن تتراجع، وعلى العالم أن يتحرك، وعلى لبنان أن يثبت أنه قادر على النهوض من بين الركام. فالوطن الذي أنجب الحياة من بين الحروب لن يموت، لكنه يحتاج هذه المرة إلى من يوقف النار كي يبدأ من جديد.
كفى "خميسات" موتٍ جديدة. أوقفوا النار... ليبدأ لبنان استعادة قراره.