هل الحوار السعودي مع حزب الله استكمال لاتفاق الطائف أم مغامرة جديدة؟

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبدالحميد عجم

هل الحوار السعودي مع حزب الله استكمال لاتفاق الطائف أم مغامرة جديدة؟

الطائف الذي لم يُستكمل

منذ اتفاق الطائف عام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية ورسم ملامح النظام السياسي، ظلّت السعودية لاعباً محورياً في حماية لبنان ودعمه. لم يكن الطائف مجرد وثيقة؛ كان تعبيراً عن إرادة عربية لصيانة لبنان من التفكك. لكن التنفيذ بقي منقوصاً: السلاح خارج الدولة لم يُعالج، النفوذ الخارجي تعمّق، والدولة اللبنانية بقيت رهينة التوازنات الطائفية والوصايات الإقليمية.

اليوم، مع دعوة الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الرياض إلى فتح صفحة جديدة على قاعدة "مواجهة إسرائيل"، يعود السؤال إلى الواجهة: هل يمكن أن يشكل الحوار السعودي–الحزبوي استكمالاً لمسار الطائف المؤجّل؟ أم أنه خروج عن فلسفة الطائف الأصلية؟

لم تكن السعودية يوماً بعيدة عن لبنان. من دعم إعادة الإعمار في التسعينيات، إلى احتضان الاستحقاقات السياسية في أصعب المراحل، وصولاً إلى دفع ثمن اقتصادي وسياسي لمساندة الدولة اللبنانية. القيادة السعودية وشعبها كانا دائماً إلى جانب لبنان دولةً وشعباً، في وقتٍ استُدرجت فيه بيروت إلى محاور لا تشبه هويتها العربية.

من هنا تأتي المفارقة: كيف يمكن للمملكة التي رعت اتفاق الطائف أن تدخل اليوم في حوار مع حزبٍ لطالما اعتبرته جزءاً من المشروع الإيراني في المنطقة؟

دعوة قاسم: خطاب أم تحول؟

الدعوة التي أطلقها نعيم قاسم ليست مجرد عرض حوار؛ إنها محاولة لإعادة تموضع سياسي في لحظة حرجة. مضمون الدعوة يقوم على ستة أسس، أبرزها: أن إسرائيل هي العدو لا المقاومة، أن سلاح الحزب موجه حصراً ضد إسرائيل، وأن الضغط على الحزب هو ربح صافٍ لتل أبيب.

لكن ما وراء الكلمات أخطر: الحزب يحاول أن ينقل نفسه من خانة "الذراع الإيرانية" إلى خانة "المدافع العربي عن فلسطين"، مستفيداً من الفراغ السياسي في لبنان، ومن شعور الشارع العربي بأن فلسطين ما زالت قضية مركزية.

السؤال الاستراتيجي: هل للسعودية مصلحة فعلية في الحوار مع الحزب؟

من زاوية عربية: أي حوار يخفف من التوتر في لبنان يمنع انهياره الكامل، ويحمي التوازن العربي في وجه التمدد الإيراني والإسرائيلي معاً.

من زاوية سياسية: السعودية تستطيع عبر الحوار أن تضع الحزب أمام اختبار حقيقي: إمّا الاندماج في مشروع الدولة العربية، أو البقاء في موقع التبعية لإيران.

من زاوية واقعية: الضغط وحده لم يغيّر سلوك الحزب. الحوار قد يخلق هوامش جديدة، حتى لو لم يغيّر جوهر العلاقة مع طهران.


لكن المخاطر واضحة: إذا كان الحوار مجرد غطاء تكتيكي للحزب، فقد يتحول إلى شرعنة مجانية لواقع غير قابل للتغيير.


استكمال الطائف أم نقيضه؟

الطائف في جوهره كان مشروعاً لبناء دولة سيّدة، سلاحها واحد، قرارها واحد. أي حوار سعودي مع حزب الله يجب أن يُقرأ من هذه الزاوية:

إذا كان الحوار مدخلاً لدمج الحزب في الدولة وتخفيف تبعيته الخارجية، فهو استكمال للطائف.

وإذا كان مجرد تسوية وقتية تُبقي السلاح خارج الدولة وتكرّس الثنائية بين "الدولة والمقاومة"، فهو نقيض الطائف.

المجال موجود، لكن ضيّق.
السعودية قادرة على فتح باب الحوار، لا من موقع الضعف، بل من موقع الشريك العربي التاريخي للبنان. الحزب بدوره يدرك أن عزلة لبنان لم تعد قابلة للاستمرار، وأن أي مستقبل له يحتاج نافذة عربية.

السؤال ليس فقط: هل تتحاور السعودية مع حزب الله؟
بل: هل يتحول الحزب من ذراع إيرانية إلى قوة عربية لبنانية، أم يكتفي بخطاب مزدوج لا يغيّر شيئاً؟

الحوار، إن حصل، قد يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان من السقوط الكامل، وفرصة لإعادة الاعتبار للعرب في ساحة تُركت لعقود لإيران وإسرائيل. لكن النجاح يتطلب ما لم يتحقق منذ الطائف: إرادة سياسية صلبة تضع مصلحة الدولة قبل مصلحة السلاح.