لبنان يُحتضر: الدولة غائبة، المافيات حاضرة، والناس وحدهم يدفعون الثمن
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في لبنان اليوم، لا يحتاج المواطن إلى رصاصة ليُقتل.
يكفي أن يمرض، أو يحتاج إلى دواء، أو يدخل مستشفى، ليكتشف أنه يعيش في بلدٍ بلا ضمير.
أبواب المستشفيات تُغلق في وجه الفقراء.
الطبيب يسأل عن المال قبل أن يسأل عن الحالة.
والمريض الذي لا يملك “دفعة بالدولار” يُترك يموت أمام الباب، بينما تُبرَّر الجريمة بـ“العجز المالي”.
لكن الحقيقة أبسط وأكثر وجعًا: الإنسان لم يعد له قيمة في هذا البلد.
في وطنٍ كان يُفتخر بعقول أطبائه ومستشفياته، تحوّل الطب إلى سوق، والمرضى إلى سلعة، والرحمة إلى بندٍ اختياري.
وهكذا يُقتل الناس ببطء، على يد منظومة متواطئة من سياسيين ومصرفيين وأصحاب نفوذ.
أما الكهرباء، ففصلٌ آخر من الكارثة.
مافيا المولدات تحكم الأحياء كما لو كانت سلطات مستقلة.
فاتورات خيالية، ابتزاز علني، وتهديد لمن يجرؤ على الاعتراض.
الناس تدفع ثمن الضوء والظلام معًا، بينما الدولة تتفرج.
وزارة الطاقة صامتة، والنواب غائبون، والرقابة غائبة.
والكهرباء التي هي حقّ لكل مواطن، صارت امتيازًا لمن يملك المال أو "واسطة".
طرابلس، المدينة التي كانت بوابة الشمال إلى العالم، تُترك اليوم للموت البطيء.
بطالة خانقة، فقر متفشٍ، شوارع مظلمة، وشباب ضائعون بين الهجرة واليأس.
المدينة التي أنجبت مثقفين ومهندسين وأطباء، تُهمل عمداً من دولة لا تراها إلا موسم الانتخابات.
نوابها صامتون كأنهم بلا لسان، وحكّامها منشغلون بالولاءات، لا بالناس.
أيّ دولة هذه التي لا ترى أبناءها يموتون على أبواب المستشفيات؟
أيّ دولة تسمح لمافيات المولدات أن تبتزّ المواطنين بلا محاسبة؟
أيّ دولة يصمت نوابها بينما الناس تصرخ من العتمة والجوع؟
لبنان اليوم يُدار كغنيمة، لا كوطن.
السلطة متقاسمة، الفساد متجذّر، والمسؤولون يتناوبون على إلقاء اللوم دون أن يتحمّل أحد مسؤولية.
إنه نظام يعيش من فشل الناس، ويتغذّى على فقرهم، ويستمرّ بصمتهم.
لكن الصمت لن يدوم.
الشعب الذي صمد في وجه الحروب والانهيارات قادر أن يصمد في وجه الطغيان الداخلي أيضًا.
لن نُسكت بعد اليوم من يسرق كهرباءنا، أو يبيعنا العلاج بالدولار، أو يضحك علينا بخطاباته الفارغة.
لبنان لا يحتاج وعودًا ولا شعارات.
يحتاج محاسبة.
يحتاج قانونًا يطال الجميع.
يحتاج نوابًا من الشعب لا على الشعب.
فليعلموا جميعًا:
هذا الوطن ليس ملكهم، بل ملك الناس الذين تعبوا من العيش في الظلام — حرفيًا ومعنويًا.
اللبناني اليوم لا يريد أكثر من حقّه في الحياة.
وإن كانت الدولة غائبة، فسيكتب الشعب حاضرًا جديدًا لا مكان فيه للمافيات ولا للصمت.