لبنان أمام ساعة الحقيقة: إمّا نزع سلاح حزب الله... أو استقالة نواف سلام!"

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

لبنان أمام ساعة الحقيقة: إمّا نزع سلاح حزب الله... أو استقالة نواف سلام!"

في هذه الأيام التي تكتظ فيها العاصمة بموفدين ودبلوماسيين من عواصم صاخبة، ليست الحركة الديبلوماسية فحسب ما يهمّ، بل ما تختزنه من دلالات ورسائل. زيارة الموفدة الأميركية والاجتماعات المصرية العلنية، والتحذيرات الإسرائيلية المتصاعدة، كلّها لا تشكل زخماً إعلامياً فحسب، بل إطاراً زمنيًّا عمليًّا: لبنان أمام امتحان وجودي. في قلب هذا الامتحان يقف رئيس الحكومة المكلف نواف سلام — إما أن يمنع الانزلاق ويُثبت أن الدولة قادرة على حماية سيادتها، أو أن يثبت العجز السياسي ويصبح على الفور عبئًا لا طاقة للبنان بتحمّله.

هذا نصّ واقعٍ مرير: لا توازن بين دولةٍ منهارةٍ ومسلّحٍ خارج سلطة الدولة. وإذا كان لبنان يريد البقاء بوطنٍ له مستقبل، فلا بد من قرار واضح وحازم — قرار يسبق الحرب أو يردعها. هنا يبرز السؤال الحاسم: هل يمتلك نواف سلام قرارًا سياسياً واستراتيجياً لنزع السلاح؟ وإذا لم يكن كذلك، فالإجابة لا تتطلب ترددًا: عليه أن يستقيل فورًا كي لا يصبح حكومته قرارًا يبقي البلد في ساحة صراعٍ يفتك بأمنه واقتصاده وكرامته.

بين التهويل والتطبيع: ما الذي يحدث؟

المشهد الدولي والإقليمي في بيروت ليس صدفة. الولايات المتحدة ترفع منسوب الضغط: الدعوة لنزع سلاح "حزب الله" أو الذهاب نحو مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لم تعد كلامًا مستهجناً في دوائر السياسة الدولية، بل صارت أداة ضغط. مصر، بدخولها العلني، تقدم مزيجًا من التحذير والدعم: تحذير من مخاطر التصعيد، ودعماً لصيانة الدولة كخيار أولي. أما الإعلام فسيّالٌ في خلق مناخ يخوّف — وهذه رسائل ليست لغرضٍ إعلامي بحت، بل لتسريع لحظة الاختبار.

في هذه اللحظة الحرجة، يصبح موقف رئيس الحكومة المكلف مرآةً لمدى جديّة الطبقة السياسية في إنقاذ الدولة. الحديث عن "لجنة الميكانيزم" وضم المدنيين ومحاولة تفعيل الآليات موجود، لكن هل تكفي المناقشات التقنية أمام واقع مسلّح موازٍ للدولة ويتصرف بمعزل عنها؟ ليست القضية تقنية فحسب، بل مبدأ: سيادة الدولة على أراضيها وقرارها.

قد يراها البعض مطلبًا قاسياً أو استعجالاً، لكن الاستقالة ليست ثمنًا للضعف إنما فعل مسؤولية. عندما تكون صلاحيات رئيس حكومة مكلف مرتبطة بقدرة الدولة على فرض القانون، ويكون الجمود السياسي والانقسام الداخلي عاملين أساسيين في تعطيل أي حل، يصبح بقاء رئيس حكومة بلا أفقٍ لتنفيذ خيار سياديٍّ واضحٍ أكثر ضرراً من رحيله.

الإبقاء عليه في موقع رمزي بينما القرار الفعلي خارج سيطرة الدولة سيؤدي إلى نتائج سلبية:

رمزية الدولة ستتآكل داخلياً وخارجياً.

الفراغ التنفيذي سيستمر ويزيد فرص الانزلاق إلى مواجهة عسكرية.

شرعية المؤسّسات لدى المواطن الدولي والمحلي ستتراجع، مما يعمّق العزلة والضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

الاستقالة هنا ليست هروبًا بل تحرّك أخلاقي وسياسي: إفساح المجال أمام كفاءات جديدة أو تفاهم سياسي قد يقود إلى حكومة قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة أو فتح مسارات تفاوضية ذات غطاء عربي ودولي أقوى. فبقاء حكومة بلا قدرة على الفعل يعني مشاركة في تعطيل الدولة — وهذا ما لا يمكن القبول به في لحظة مصيرية كهذه.

إذا كان الهدف هو الحفاظ على النظام ومنع الحرب، فهناك مساحات عمل يجب أن يجربها أي رئيس حكومة قبل أن يُحمّل المسؤولية كاملة أو يقرر الاستقالة:

 تفعيل لجنة الميكانيزم بشكل فوري، وضم شخصيات مدنية لبنانية موثوقة وإعطاؤها صلاحيات تنفيذية واضحة ومتابعة دولية.

طلب غطاء عربي واضح — سياسيًا ومؤسساتيًا — يدعم أي خطوات لإعادة الدولة لسلطتها على السلاح 

 نسج حوار داخلي وطني يضمّ قوى لبنانية رئيسية، مع ضمانات دولية بعدم التدخل أو استغلال الانقسام.

 إطلاق مبادرة إصلاح أمني متدرّج تُركّز على تهيئة بيئة تحوّل الجماعات المسلحة إلى إطار مدني أو دمجها عبر آليات إلزامية واضحة، وليس الانقضاض أو المبادرة الأحادية.

لكن إن تبخرت هذه المساحات أمام عناد ميداني وسياسة أقفلَت أبواب الحوار، فلا ضرورة سياسياً لابقاء شخصٍ لا طاقة له على تحمّل تبعات قراره العاجز.

نواف سلام، إن كنت تمتلك جرأة الحسم والإرادة السياسية، فلتبنِ استراتيجية فورية برعاية عربية ودولية واضحة تردع كل محاولات الانزلاق. اجعل من سيادة الدولة أولوية، وليس شعارًا. واطلب الدعم الذي يضمن تطبيق خطوات ملموسة لإخراج السلاح من خارج سلطة الدولة.

أما إن لم تكن لدى الحكومة القدرة أو الارادة، فالجمهور اللبناني والعالم سيحكم عليك — لا من منبر إعلامي فحسب، بل من واقع نتائجك. في هذه الحالة، الاستقالة ليست خضوعاً، بل قبولٌ بالمسؤولية: احترام لمصلحة لبنان قبل أي اعتبار شخصي أو حزبي.

لبنان لا يحتمل المزيد من التجارب والتردد. أمامه فرصة أخيرة لتجديد عهد الدولة أو التورط في فوضى تطال كل شيء. من يريد الخير لهذا البلد، يرى أن الخيار الوطني الواضح — سواء من خلال تنفيذ حقيقي لنزع السلاح أو عبر تنحي لمن يعطي البلاد فرصة لإنقاذ نفسها — هو السبيل الوحيد.

القضية ليست شخصية، بل وجودية. والقرار الآن في يد من أوكلتهم الأمة بأن يقودوا. إما أن يثبتوا أنهم يستحقون ذلك، أو أن يفسحوا المجال لمن لديهم خطة واقعية وقبول شعبي ودولي لتطبيقها. لبنان يستحق أكثر من الحيرة.