طرابلس تستغيث: المخدرات تسرق أبناءنا بصمت… فأين الغضب؟
> بقلم: اليسار عواد – طالبة جامعية خاص مراسل نيوز
في أزقة الميناء القديمة، وعلى درج التبانة، وفي مقاهي الضم والفرز… وجوه شابة ضائعة بين حلمٍ لم يكتمل وواقعٍ خانق.
طرابلس، مدينة الضوء التي علّمت لبنان الكرامة والعطاء، باتت اليوم تواجه حربًا من نوعٍ آخر حربًا بلا سلاحٍ ولا رصاص، بل بمسحوقٍ أبيض يقتل الأحلام ببطء.
المخدرات ليست خبرًا عابرًا في نشراتنا المحلية، إنها حقيقة تعيش في قلب المدينة، تنمو في ظلّ الفقر، واليأس، والإهمال.
وفي الوقت الذي يصحو فيه البعض على رائحة البحر، هناك من يصحو على رائحة الهروب.
سنوات من الحرمان جعلت شباب طرابلس فريسة سهلة.
بطالة، غياب فرص، مدارس تفتقر إلى الدعم، ومجتمعٌ أنهكته الأزمات.
في هذه الفجوة، دخلت المخدرات كبديلٍ عن الأمل، وكأنها “تسلية مؤقتة” في مدينة لم تعد تجد من يسأل عن وجعها.
في الأحياء الشعبية، لا يختبئ الخطر في الزوايا فقط، بل في العيون.
عيون فتيانٍ في السادسة عشرة، يحملون في جيوبهم ما لا يجرؤون على تسميته.
أمهاتٌ يصرخن بصمت، وآباءٌ يغرقون في العجز، والمدارس تحاول أن تملأ الفراغ بما تبقّى من إرادة.
في طرابلس، العائلة ليست مجرّد وحدة اجتماعية، بل نبض المدينة.
لكن هذا النبض مهدّد اليوم إن لم يتحوّل إلى وعيٍ صادق.
على الأهل أن يُصغوا، لا أن يخافوا من الحقيقة.
أن يسألوا أبناءهم بلا خوف، وأن يعترفوا أنّ الحديث عن المخدرات ليس عيبًا بل واجبًا.
فالكلمة الأولى في البيت قد تنقذ حياة قبل أن تُهدر في الشارع.
طرابلس تملك مدارس مليئة بالذكاء والروح، لكنها تحتاج إلى أن تتحوّل إلى مساحات حياة لا خوف.
أن يُدرّب المعلمون على رصد الإشارات المبكرة، وأن تُفتح الأبواب لحوارات صادقة بلا عقاب ولا فضيحة.
الوقاية لا تكون بخطابات فارغة، بل ببرامج حقيقية، وبشراكة بين المدرسة والأهل والمجتمع المدني.
مدرسة واعية قد تنقذ ما تعجز عنه مؤسسات بأكملها.
طرابلس لا تنقصها المحبة، بل التنسيق.
البلديات، الجمعيات، المساجد، والكنائس، يجب أن تتحد في حملة واحدة: “طرابلس بلا مخدرات”.
نحتاج إلى مراكز دعم نفسي مجاني، وخط ساخن آمن للشباب، ونشاطات فنية ورياضية تُعيد الحياة إلى شوارع المدينة.
المخدرات تملأ الفراغ، فلنملأه نحن بالأمل والفرص.
طرابلس التي وُصفت يومًا بـ“عروس الشمال” تستحق أن تعود كذلك.
لا نريد أن نرى أبناءها أسرى إبرةٍ أو حبةٍ أو دخانٍ مسموم.
هذه المدينة التي واجهت الحروب والأزمات، قادرة أن تنتصر أيضًا في حربها ضد الإدمان — إن تكلّمنا، وتعاونّا، ورفضنا السكوت.
لا تتركوا أبناءكم يُغرَقون في بحرٍ بلا شطّ.
كونوا الشاطئ الذي يعودون إليه، لا البحر الذي يبتلعهم.
طرابلس لا تحتاج معجزة… تحتاج صحوة.
صحوة تبدأ من البيت، تمرّ بالمدرسة، وتُعلنها المدينة بأكملها:
> كفى صمتًا. كفى خسارات. كفى تجاهلاً.
جيلنا يستحق الحياة… وطرابلس تستحق أبناءها.