لبنان يُعلّق ديمقراطيته: التمديد لمجلس النواب انقلاب بلا دبابات
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
لا يُمدَّد لمجلس النواب في لبنان لأن الظروف قاهرة، ولا لأن الدولة عاجزة، بل لأن المنظومة السياسية قرّرت الهروب المنظّم من الامتحان الوحيد الذي يهدّد بقاءها: الانتخابات.
ما يجري اليوم ليس أزمة تقنية، ولا خلافاً دستورياً، ولا سوء إدارة عابر، بل عملية انقلاب ناعمة على جوهر النظام الديمقراطي، تُنفَّذ بأدوات قانونية، وبخطاب بارد، وبوقاحة مكتومة.
من يراقب المشهد من بعيد قد يظن أنّ السلطة اللبنانية عالقة بين تعقيدات القانون وضيق الوقت. أما من يراقبه عن قرب، فيدرك سريعاً أن التمديد لمجلس النواب ليس خياراً اضطرارياً، بل قراراً سياسياً مؤجَّلاً الإعلان، يجري تحضيره بهدوء، وتبريره بتقاسم أدوار مدروس بين الحكومة والبرلمان.
مسرحية الدولة: الحكومة تتذرّع والبرلمان يناور
الحكومة التي ادّعت العجز عن إجراء الانتخابات، أحالت مشروع قانون ثم تخلّت عنه عملياً، وغابت عن النقاش الجدي، وكأنها تؤدي واجباً شكلياً لا أكثر. والبرلمان، الذي يملك السلطة الدستورية للتعديل أو الرفض، أقفل باب البحث بحجّة الخلافات، فيما هو في الواقع يصوغ بهدوء نصّ التمديد المقبل.
ليس بين السلطتين صراع، بل تناغم تعطـيلي:
حكومة ترفع بطاقة العجز، وبرلمان يلوّح بورقة التعذّر، وفي المنتصف يُدفن حقّ الناس في الاختيار.
المغتربون: من حقّ دستوري إلى عبء سياسي
الأخطر في هذه العملية ليس التمديد بحد ذاته، بل الطريقة التي يُستَخدم فيها اقتراع المغتربين كذريعة تقنية لتفجير الاستحقاق.
فالمهل القانونية معروفة، والإجراءات واضحة، لكن التأخير المتعمّد في دعوة الهيئات الناخبة يحوّل القانون نفسه إلى فخّ، ويضع وزارة الداخلية أمام مأزق مصطنع.
المغترب اللبناني، الذي أنقذ الاقتصاد بتحويلاته، يُراد اليوم إقصاؤه عن القرار، لا لأنه غير جاهز، بل لأنه غير مضمون النتائج. وهنا تحديداً يسقط القناع: المشكلة ليست في القانون، بل في الخوف من صندوق الاقتراع.
في زمن تتصدّر فيه ملفات التفاوض الإقليمي أولويات المجتمع الدولي، تُترك الاستحقاقات الدستورية اللبنانية لمصيرها. هذا الفراغ في الضغط الخارجي لا يُضعف الدولة فقط، بل يكشف حقيقة نظام لم يعد يشعر بأي حرج في تعطيل نفسه.
حين يغيب الرقيب، لا تعود السلطة بحاجة إلى تبرير مقنع، بل إلى تسوية داخلية تحمي الجميع من المحاسبة.
التمديد ليس حدثاً… بل عرض مرض
التمديد هنا ليس استثناءً، بل نتاج طبيعي لمنظومة عاجزة عن التجدد.
منظومة لا تثق بشعبها، ولا تثق ببعضها، ولا ترى في الديمقراطية سوى خطر يجب تأجيله.
إنه تمديد للخوف، لا للمجلس.
تمديد للأزمة، لا للاستقرار.
وتمديد لانكشاف الدولة، لا لحمايتها.
ما يجري اليوم ليس نقاشاً حول موعد انتخابات، بل اختبار وجودي لفكرة الدولة نفسها.
إما دولة تحترم استحقاقاتها مهما كانت النتائج،
وإما سلطة تمدّد لنفسها حتى إشعار آخر، وتحوّل الدستور إلى ورقة تفاوض.
والسؤال الذي سيبقى مطروحاً، في الداخل والخارج:
هل لا يزال في لبنان نظام سياسي، أم مجرّد منظومة تؤجّل سقوطها؟