"حوار بري على السلاح… انقلاب على الدستور"
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في كل مرة يشتد الضغط الداخلي أو الخارجي على حزب الله، يخرج رئيس مجلس النواب نبيه بري بدعوة إلى "حوار وطني حول الاستراتيجية الدفاعية". العبارة تبدو وطنية وبنّاءة، لكن حقيقتها أنها خديعة سياسية تهدف إلى كسب الوقت، ومنح سلاح الحزب شرعية ضمنية، وتثبيت واقع غير دستوري يضعف الدولة ويكرّس ازدواجية السلطة.
الدستور اللبناني واضح: الشعب هو مصدر السلطات، والمؤسسات الدستورية وحدها هي الإطار الشرعي لممارسة هذه السلطات. الجيش اللبناني هو الجهة الوحيدة المخوّلة حمل السلاح والدفاع عن الوطن.
أي سلاح خارج إطار الدولة هو سلاح غير شرعي وغير دستوري. ولا حوار يمكن أن يغيّر هذه الحقيقة.
الطائف أنهى الميليشيات بلا لبس
اتفاق الطائف عام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية، نص صراحة على حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية خلال ستة أشهر. لم يتحدث عن حوار، ولم يعطِ استثناءات.
القبول المؤقت بسلاح المقاومة أثناء الاحتلال الإسرائيلي كان ظرفاً سياسياً لا قاعدة دستورية. المبرر. لا يمكن تحويل استثناء مرحلي إلى قاعدة دائمة.
قرارات مجلس الأمن واضحة وصريحة:
القرار 1559 (2004): حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية.
القرار 1701 (2006): حظر السلاح جنوب الليطاني إلا بيد الجيش اللبناني واليونيفيل.
لبنان نفسه التزم بهذه القرارات. مخالفتها لا تعني فقط انقلاباً على الدستور، بل أيضاً خرقاً للقانون الدولي وتهديداً للأمن الإقليمي.
على مدى أكثر من ثلاثة عقود، قدّم نبيه بري نفسه على أنه "ربّان الحكمة" و"مرساة الاستقرار". بعض الكتّاب يصفونه بالبحّار الذي ينقذ السفينة اللبنانية في العواصف. لكن أي سفينة هذه؟
سفينة فقدت بوصلتها الدستورية.
سفينة غارقة في الانهيار المالي والاقتصادي.
سفينة مربوطة بمرساة حزب الله لا بمرساة الدولة.
الحوار الذي يطرحه بري ليس مدخلاً للحل، بل وسيلة لتعطيل الحل:
تأجيل الحسم في سلاح الميليشيا.
إعطاء انطباع بوجود توافق وطني بينما السيادة تُفرَّغ من مضمونها.
تحويل اللاحسم إلى سياسة رسمية.
الاستمرار في إنكار هذه الحقائق لم يعد شأناً لبنانياً داخلياً فقط.
بالنسبة للبنانيين: بقاء سلاح خارج الدولة يعني بقاء دولة بلا سيادة.
بالنسبة للعرب: لبنان بات منصة لمشروع ميليشياوي يهدد الأمن القومي العربي.
بالنسبة للعالم: شرعنة ازدواجية السلاح في لبنان هي قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
الحوار على السلاح ليس حواراً وطنياً، بل إعادة إنتاج للفوضى. من يرفض وضع سلاح الميليشيا على طاولة التنفيذ، لا على طاولة النقاش، إنما يكرّس دولة اللاقانون.
نبيه بري قدّم نفسه طيلة ثلاثة عقود كـ"مرساة الطمأنينة". لكن مرساته مربوطة إلى خارج لبنان، وسفينته لا تقود إلا نحو الغرق.
لا دولة مع الميليشيا.
لا سيادة مع ازدواجية السلاح.
ولا مستقبل للبنان إلا بدستور واحد، وجيش واحد، وسلطة واحدة.