‎هل الدولة اللبنانية مؤامرة خارجية؟

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

‎هل الدولة اللبنانية مؤامرة خارجية؟

‎لم يخيّب إبراهيم الأمين ظنّ من يقرأه دائماً باعتباره الصوت الأكثر وضوحاً في التعبير عن مواقف «حزب الله». ففي مقاله الأخير «هل ما زالت هناك حاجة إلى هذه الحكومة؟» لم يكتفِ بالتشكيك في شرعية حكومة نواف سلام ورئاسة جوزيف عون، بل ذهب أبعد من ذلك، محاولاً نزع أي غطاء وطني عن مشروع «حصرية السلاح» بيد الدولة، ووصمه بأنه مؤامرة أميركية – سعودية – إسرائيلية.
‎لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل صار مطلب قيام الدولة اللبنانية مؤامرة خارجية؟

‎أولاً: قلب الحقائق باسم «المقاومة»
‎الأمين يتحدث وكأن حصرية السلاح فكرة هبطت بالأمس من واشنطن. يتناسى، عن عمد أو عن وعي، أن اتفاق الطائف – الذي أنهى الحرب الأهلية – نصّ على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصر السلاح بيد مؤسساتها الشرعية. فهل كان الطائف اتفاقاً أميركياً – سعودياً – إسرائيلياً؟ أم كان قراراً لبنانياً جامعاً؟
‎من السهل اتهام خصومك بأنهم «وكلاء للخارج»، لكن من الصعب أن تجيب عن السؤال الذي يطرحه كل لبناني اليوم: أي دولة هذه التي تعيش فيها جيوش وأسلحة خارج قرار مجلس الوزراء؟

‎ثانياً: من هو حقاً «الخاضع للإملاءات»؟

‎حين يكتب الأمين أن عون وسلام جاءا بأمر من الخارج، فهو ينسى أن اللبنانيين يعرفون جيداً من يتلقى تعليماته من طهران، ومن يعقد قرارات الحرب والسلم في الضاحية الجنوبية لا في مجلس الوزراء. أليس هذا هو تعريف الإملاءات الخارجية؟
‎المفارقة الصارخة أن من يرفض حصرية السلاح باسم «الاستقلالية» هو نفسه من يفتخر بأنه جزء من محور إقليمي يتجاوز الحدود اللبنانية.

‎ثالثاً: فزاعة الحرب الأهلية

‎لغة الأمين واضحة: التلويح بأن أي محاولة لنزع سلاح حزب الله ستدفع البلاد إلى الانفجار. إنها الفزاعة ذاتها التي استُخدمت منذ نهاية الحرب الأهلية: إمّا أن تقبلوا بوجود سلاح خارج الدولة، وإمّا أن نحرق البلد.
‎لكن اللبنانيين لم يعودوا يقبلون هذا الابتزاز. لا أحد في الجنوب أو الشمال أو البقاع يريد أن يعيش حرباً أهلية جديدة. وحده «حزب الله» ومن يدافع عنه يلوّح بالحرب كوسيلة ضغط.

‎رابعاً: الجيش ليس كرة نار

‎الأمين حذّر من رمي «كرة النار» في حضن الجيش. والحقيقة أن الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني وشعبي. من يزعم الدفاع عن لبنان لا يحق له أن يشكك في وطنية الجيش. المطلوب تعزيز الجيش وتسليحه وتمويله، لا تحييده أو وضعه في خانة الخصم.

‎خامساً: أي حكومة نحتاج؟

‎المقال يسأل: هل ما زالت هناك حاجة إلى هذه الحكومة؟
‎الجواب نعم، وبأعلى صوت: نحتاج إلى حكومة تضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبار طائفي أو إقليمي، حكومة تستعيد قرار الحرب والسلم إلى مجلس الوزراء، حكومة تقطع الطريق على ثقافة الدويلة داخل الدولة.

‎الحكومة الحالية، برغم كل نواقصها، فعلت ما لم يجرؤ عليه أسلافها: وضعت خطة تنفيذية لحصر السلاح بيد الدولة. وهذا وحده كافٍ لتبرير وجودها.
‎الدولة ليست مؤامرة
‎من يريد إسقاط الحكومة لأنّها تريد تطبيق الطائف، فهو عملياً يعلن رفضه لجوهر النظام اللبناني. من يرفع شعار «المقاومة» ليُبقي سلاحه فوق الدولة، فهو لا يقاوم إسرائيل فقط، بل يقاوم لبنان نفسه.
‎إبراهيم الأمين وأمثاله يكتبون دفاعاً عن «سلاح حزب الله» وكأنّه قدر أبدي. أما الحقيقة فهي أن لبنان لا يمكن أن يقوم إلا بسلاح واحد، بجيش واحد، بقرار واحد.

‎هذه ليست مؤامرة خارجية، بل هي أبسط معاني الدولة. ومن لا يريد الدولة، فليقلها صراحة: إنه يفضّل الدويلة.