قمة الفرصة الأخيرة: الخليج يضع واشنطن أمام مسؤوليتها التاريخية
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم
لم تعد المنطقة تحتمل المزيد من المراوغة أو إدارة الأزمات بالمسكنات. ما يفعله بنيامين نتنياهو اليوم ليس مجرد "حرب على غزة" أو "خلاف سياسي" مع الفلسطينيين، بل هو اندفاع أعمى نحو صدام شامل يهدد الشرق الأوسط بأكمله. هذه ليست أزمة فلسطينية–إسرائيلية معزولة، بل معركة تتقاطع عندها خطوط الطاقة، الاقتصاد، الأمن، وحتى شرعية النظام الدولي.
وفي قلب هذا المشهد المعقد، تبرز المسؤولية الخليجية. السعودية والإمارات وقطر ليست دولاً عابرة على الخريطة، بل مراكز ثقل استراتيجي عالمي، تملك مفاتيح الأسواق، والممرات البحرية، وشبكات الطاقة، وقنوات النفوذ السياسي مع واشنطن. وإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث في قمة طارئة مع الولايات المتحدة، فإنها قادرة على إعادة صياغة قواعد اللعبة بأكملها
لأن نتنياهو تجاوز الخطوط الحمراء جميعها: تحدّى القانون الدولي، استهدف المدنيين بلا هوادة، هدد دول الجوار، وحوّل إسرائيل من "شريك محتمل" إلى "خطر وجودي" على الاستقرار الإقليمي. ولأن استمرار هذا الجنون يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر رعباً: حرب إقليمية متعددة الجبهات، تهديد طرق الملاحة العالمية، انفجار أسعار النفط والغاز، وانهيار آخر ما تبقى من الثقة في النظام الدولي.
القمة الخليجية–الأميركية المطلوبة ليست ترفاً سياسياً ولا مناورة دبلوماسية، بل ضرورة استراتيجية. إنها الفرصة الأخيرة لإجبار واشنطن على التحرك بحزم، ولإرسال رسالة واضحة إلى تل أبيب: الأمن الإقليمي ليس ملعباً خاصاً لجنون نتنياهو.
وقف العدوان الإسرائيلي فوراً عبر ضغط أميركي مباشر، مدعوم بإجماع خليجي.
إطلاق خطة دولية لنزع سلاح "حماس" بضمانات عربية وأممية، مقابل رفع الحصار، وإعادة إعمار غزة، وفتح أفق سياسي جاد للفلسطينيين.
إعادة ضبط مسار التطبيع: لا علاقات طبيعية من دون التزام واضح بحل الدولتين وضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة.
بناء مظلة أمنية إقليمية تردع أي طرف – بما في ذلك إسرائيل – عن استهداف سيادة الدول العربية أو العبث باستقرار الخليج.
هذه القمة ليست مجرد رد فعل على أزمة راهنة؛ إنها إعلان عن نقلة نوعية في الوعي الخليجي: أن زمن الاكتفاء بالدور الاقتصادي والمالي قد انتهى، وأن الخليج اليوم يمتلك شرعية التحرك السياسي كفاعل دولي أساسي. من يملك النفط والغاز والممرات البحرية، يملك أوراق ضغط لا تقل قوة عن السلاح النووي.
والأهم، أن الخليج إذا قاد هذا المسار، فسيفرض معادلة جديدة: العرب ليسوا رهائن لمعادلات أميركية–إسرائيلية ضيقة، بل شركاء لهم شروطهم وحدودهم الحمراء.
إلى واشنطن: الشراكة لا تُقاس بالسلاح الذي يُشترى، بل بالقدرة على صناعة الاستقرار. والخليج اليوم يقول بوضوح: لن نكون شركاء في فوضى نتنياهو.
إلى تل أبيب: لا حصانة من المحاسبة. من يهدد الأمن العربي سيواجه جداراً سياسياً واقتصادياً لا يمكن تجاوزه.
إلى الرأي العام العالمي: هناك طريق ثالث، لا استسلام للتطرف ولا استمرار في القتل، بل مسار سياسي عقلاني تقوده عواصم تمتلك الحكمة والقدرة.
إن التاريخ لا ينتظر المترددين. هذه اللحظة إما أن تُكتب فيها العواصم الخليجية كصانعة للتوازن الدولي الجديد، أو تُسجَّل كشاهدة على انهيار آخر جدار للاستقرار.
السعودية والإمارات وقطر مدعوة اليوم لتشكيل مثلث استراتيجي يضع واشنطن أمام الحقيقة: إما ضبط جنون نتنياهو، أو مواجهة انهيار شامل ستدفع ثمنه المنطقة والعالم.
إنها ليست دعوة إلى قمة عادية، بل إلى لحظة تأسيسية، تضع العرب والخليج في موقع القيادة، وتحوّل مأساة الحاضر إلى فرصة لكتابة مستقبل مختلف.