‎رسالة الدوحة: من الإدانة إلى الردع... ومن العرب إلى المسلمين

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

‎رسالة الدوحة: من الإدانة إلى الردع... ومن العرب إلى المسلمين

لم تكن قمة الدوحة الطارئة مجرد اجتماع بروتوكولي يكرر بيانات الإدانة والشجب، بل تحولت إلى لحظة سياسية فارقة، جمعت العرب والمسلمين في منصة واحدة، لتوجيه رسالة مزدوجة: رفض العدوان الإسرائيلي على قطر، وتدشين مسار جديد للردع الخليجي - الإسلامي المشترك.

السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لم تُعقد القمة عربية صِرفاً، كما جرت العادة في حالات الأزمات، بل جاءت بصيغة «عربية - إسلامية»؟

الإجابة تكمن في حسابات القوى الإقليمية.

إيران التي لطالما تموضعت كخصم لإسرائيل وكمنافس لدول الخليج، تجد نفسها اليوم أمام فرصة لإظهار أوراقها الدبلوماسية والعسكرية، وإعادة تثبيت حضورها في أي مشهد يتعلق بفلسطين أو الصراع مع تل أبيب.

تركيا من جانبها، تستثمر تاريخياً في ورقة الدعم العلني لحركة «حماس»، وتقدّم نفسها كداعم قوي للحقوق الفلسطينية، وفي الوقت نفسه كجسر بين الشرق والغرب.

إشراك هذين الطرفين في قمة الدوحة ليس مجرد «مجاملة سياسية»، بل هو اعتراف بأن معركة الشرعية والردع ضد إسرائيل لم تعد شأناً عربياً فحسب، بل هي قضية إسلامية جامعة، وأن وحدة الموقف تعطي زخماً سياسياً ومعنوياً يضع تل أبيب في مواجهة أوسع جبهة ممكنة.

القمة أكدت وقوف العرب والمسلمين صفاً واحداً مع قطر بعد العدوان الإسرائيلي الذي استهدفها. الخطير في الاستهداف أنه لم يضرب فقط سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، بل هاجم مكاناً محايداً للوساطة وصنع السلام. بمعنى آخر، إسرائيل لم تعتدِ على دولة فحسب، بل على وظيفة الدبلوماسية نفسها.

وهذا ما يفسر حدة البيان الختامي: الدعوة لمراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع تل أبيب، والمباشرة في إجراءات قانونية دولية لمحاسبتها. إنها ليست مجرد لهجة احتجاج، بل خطوات فعلية لكسر «الحصانة السياسية» التي اعتادت إسرائيل التمتع بها.

أما القمة الخليجية الاستثنائية التي انعقدت بالتوازي، فقد أخذت الأمور إلى مستوى آخر: تفعيل الدفاع المشترك. تكليف مجلس الدفاع الخليجي واللجنة العسكرية العليا بالاجتماع العاجل، والبدء بتنفيذ آليات الردع الموحدة، يعلن عملياً أن أمن قطر هو أمن الخليج، وأن «العدوان الإسرائيلي» لم يعد بعيداً عن الحسابات الاستراتيجية لمجلس التعاون.

بمعنى آخر: مرحلة الاكتفاء بالبيانات انتهت.

ما خرج من الدوحة ليس مجرد بيان، بل بداية «معادلة جديدة» عنوانها:

إسرائيل لم تعد تواجه دولة منفردة، بل جبهة عربية - إسلامية واسعة.

الخليج يتحرك نحو ردع جماعي يحاكي التحالفات الدفاعية الكبرى في العالم.

إدخال إيران وتركيا في المعادلة يعني أن أي تسوية مقبلة في المنطقة لن تستطيع تجاوز حسابات هاتين القوتين.

القمة بعثت برسالة واضحة إلى الرأي العام الدولي

أن الصمت على العدوان الإسرائيلي لم يعد ممكناً.

أن تجاهل القضية الفلسطينية لا يصنع سلاماً، بل يفتح الباب لتصعيدات أخطر.

أن الوقت قد حان لوقف سياسة «الإفلات من العقاب» التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي.

قمة الدوحة لم تكن حدثاً عابراً. هي نقطة تحوّل: من «إدانة العدوان» إلى «تفعيل الردع»، ومن «موقف عربي» محدود إلى «جبهة إسلامية» واسعة. إسرائيل أرادت اختبار حدود الرد، فجاء الرد أكبر من المتوقع: قطر ليست وحدها... والخليج ليس مكشوفاً.